تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

“محاباة الجمهور ليست أولوياته”.. دراما إبراهيم عيسى تناصر “الست” مناهضة للقانون!

إبراهيم عيسى كاتب مسلسل حضرة العمدة وفاتن أمل حربي
داليا عبد الكريم
داليا عبد الكريم

5 د

يتفرد الكاتب الصحفي والسيناريست المصري، إبراهيم عيسى، بطريقة تقديم المرأة المصرية في أعماله الدرامية، وليس من المبالغة القول إنه ربما يكون الكاتب الوحيد الذي فضل عدم محاباة الجمهور، والتفرد بتقديم المرأة بوصفها كائنًا بشريًا مساويًا للرجل، وحتى ربما أفضل منه قياسًا بمتطلبات الحياة والواقع الذي يقيّد النساء ويعيق أحلامهنّ وطموحاتهنّ.

"عيسى" الذي أظهر المرأة المطلقة القوية في "فاتن أمل حربي" خلال الموسم الرمضاني الفائت، عاد ليظهر المرأة القيادية للمجتمع الريفي المتعنت بمفاهيمه وتأطيره لدور المرأة في مسلسل "حضرة العمدة"، الذي يعرض خلال الموسم الرمضاني الحالي ويتلقى إشادات واسعة، خصوصًا أنه يتطرق لمسألة جديدة مختلفة كليًا.

وتدور أحداث المسلسل حول شخصية الأستاذة الجامعية، صفية عارف الفارس، التي تؤديها الفنانة روبي، والتي تنجح بالفوز وتولي منصب العمدة في قرية صعيدية بالريف المصري، تحمل اسم تل شبورة.

لم يكن من السهل على أفراد المجتمع الريفي تقبل فكرة أن تقودهم امرأة، فانقسموا حول الفكرة بين مؤيد ومعارض لها، حيث يريد مؤيدو الفكرة أن يشعروا بالتغيير، بينما يتذرع معارضوها بفكرة أن منصب العمدة حكر على الرجال والعنتريات ولا يمكن أن تتحمله امرأة.

لن يكون من السهل على الأستاذة الجامعية التعامل مع الوضع، خصوصًا في ظل انتشار الجريمة والمخدرات، ومواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية وغسيل الأموال، كذلك التعرض لمسألة ختان الإناث التي ما يزال البعض في القرية يمارسها.

تبدو صفية عارف الفارس، قوية بالدرجة الكافية لمواجهة تلك المشكلات، التي يضاف إليها كونها امرأة، ولا تؤخذ على محمل الجد لدى كثير من معارضيها في القرية المفترضة.

تتقاطع شخصية صفية عارف الفارس، مع شخصية "فاتن أمل حربي"، بأن كلتا الشخصيتين تؤديهما امرأة قوية الشخصية، لا تتنازل عن حقوقها لمجرد الاعتقاد السائد بأن المرأة ضلع قاصر، وهذا أبرز ما يميز صورة المرأة في أعمال إبراهيم عيسى، إنها الواثقة القوية الماضية قدمًا لتحقيق أهدافها، دون أن يشكل كونها امرأة حجر عثرة أمامها، على الأقل من الناحية النفسية للشخصية، بغض النظر عن حجارة المجتمع.


المجتمع يحتاج امرأة قيادية

يمتلك إبراهيم عيسى شخصية استثنائية لناحية نظرته للمرأة وتقديمه لها في أعماله، ربما تبدو شهادتي كامرأة مجروحة بمثل هذا الشخص، ولكنه لم يقدم المرأة الضعيفة المكسورة التي تقرر الاستسلام، ومع ازدياد الأعمال التي تقدم المرأة القوية المتغلبة على كل الظروف، ربما تقدم الدراما معروفًا كبيرًا للنساء في شتى أنحاء العالم العربي.

فدور الدراما تصحيح الخلل في المجتمع من خلال الترفيه، بما يشبه أسلوب التعلم عبر اللعب الذي تنتهجه بعض المدارس مع الأطفال، ربما يحتاج الأمر لسنوات طويلة لإحداث التأثير المطلوب، لكن المهم اليوم أن الخطوة الأولى قد بدأت.

يقول عيسى، في تصريحات تلفزيونية سابقة، إن المجتمع العربي لن ينجح ويصبح سويًا، إلا حين تقوده النساء، ويؤكد أنه يؤمن بهذا المبدأ لدرجة أنه بات عقيدة بالنسبة إليه.

وحول مسلسله، حضرة العمدة، يقول عيسى، إن العمودية فكرة تعكس الولاية المباشرة للمرأة، وملامسة مشاكل الناس وواقعهم، ومخاطبة وجدانهم وظروفهم.


تفرد إبراهيم عيسى

إذًا، إن من أهم أسباب نجاح أعمال إبراهيم عيسى، أنه مؤمن بما يقدمه خلالها، فهو لا يريد تقديم متعة عابرة أو لحظات تسلية فقط للمشاهد، بل هو يقدم أداة تغيير شاملة للمجتمع وحتى العادات والتقاليد، يقدم المرأة كما يجب تقديمها، ما قد يسهم بتشجيع النساء على اتخاذ الخطوة الأولى في طريق التغيير واستعادة الحقوق التي انتزعها المجتمع منهنّ تحت ذرائع غريبة ومتعددة.

مساعي الكاتب والسيناريست المصري قد نجحت بدرجة كبيرة قياسًا بالواقع المصري، فبعد مسلسله، فاتن أمل حربي، العام الماضي، أثيرت حالة الجدل والمناقشات حول تعديلات قانون الأحوال الشخصية.

لا يمكن إغفال مدى التأثير الكبير الذي حققه المسلسل في إعادة بعض حقوق المرأة، لكن لا يمكن إغفال مسألة أخرى في غاية الأهمية، وهي استعداد المجتمع المصري لتقبل هذا التغيير، فعادة ما تحابي الحكومات السلطات الدينية دون أن تقترب منها، لكن يبقى التأثير الأول والأخير مرهونًا بالمجتمع ككل والذي يبدو أنه مستعد لتغيير جذري.


ماذا قد يحقق مسلسل حضرة العمدة؟

ربما يثير مسلسل "حضرة العمدة" الرغبة لدى النساء للتقدم للمنصب، وربما يساعد المجتمع على تقبل الفكرة واقعيًا كما تقبلها دراميًا، عمومًا الحديث عن هذا الموضوع ما يزال مبكرًا، لكن لا أحد يستطيع القول بأن عيسى لم يحرك المياه الراكدة بهذا الخصوص.

وتلقى مسلسل حضرة العمدة الكثير من الإشادات مؤخرًا في أثناء عرضه ضمن الماراثون الرمضاني الجاري، أبرزها إشادة من المجلس القومي للمرأة، الذي تم تأسيسه في عهد الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك.

وتناول المجلس في بيان له نشره عبر معرفاته الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، قضية ختان الإناث الذي عرضها المسلسل في حلقتيه الثانية والثالثة، وأعاد التذكير بأن ختان الإناث، أحد أشكال العنف الذي تتعرض له بعض الفتيات في المجتمع المصري، على الرغم من اعتباره جريمة يعاقب عليها القانون المصري.

وطلب المجلس من المواطنين الإبلاغ عن حالات ختان الإناث فيما لو وجدت، من خلال أرقام هاتفية خاصة، مطالبًا الجميع بالوقوف ضد هذه الجريمة التي تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان.

إن مجرد إثارة هذه الجريمة عبر المسلسل، أدى على الفور لإعادتها للواجهة، وبالتالي إعادة التذكير بأنها جريمة، والتحذير من عواقبها، ليبرز نجاح حضرة العمدة وتأثيره الكبير حتى من أولى حلقاته.


معارضة السلطة الدينية

لم يكتف إبراهيم عيسى بإثارة موضوع حقوق النساء وسلطتها والمساواة في أعماله، بل اقترب من الخطوط الحمراء للسلطة الدينية، من خلال أفلامه الثلاث؛ "مولانا"، و"صاحب المقام"، و"الملحد".

ذو صلة

بينما وجد فيلما "مولانا" و"صاحب المقام" طريقهما للعرض، وأديا لاتهامات كثيرة لـ "عيسى" بازدراء الدين الإسلامي، فإن فيلمه الأخير "الملحد"، لم يجد طريقه للعرض بعد حتى الاَن، وهو يناقش فكرة الفرق بين الشخص الملحد والشخص المتطرف دينيًا، ومن الواضح أن مشاهدة الفيلم وتقبله يتطلبان وعيًا كبيرًا لدى المشاهد الذي يجب أن يكون عميقًا بما يكفي لتقبل فكرة الاقتراب من معتقداته وحتى انتقادها.

من الواضح أن أعمال إبراهيم عيسى، تحرك العقل وتخاطبه، وهذا أخطر ما يمكن أن يقدمه كاتب درامي في العالم العربي الذي يحفل بالغيبيات والتسليم دون أي اقتراب من الأسئلة!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة