مشاهد وأفكار من واقع مشاهدات سينمائية ج 2
في الجزء الأول من هذا المقال بعنوان: مشاهدات وأفكار سينمائية تكلمتُ عن 3 مشاهد سينمائية مميزة من ثلاثة أفلام مختلفة، واليوم نواصل مع الجزء الثاني من المقال، وهو مخصص لفيلم واحد هو فيلم whiplash، وبعض الملاحظات الجمالية والفنية الموجودة بالفيلم خاصة المشهد الختامي.
Whiplash
واحد من أمتع أفلام 2014 للكاتب والمخرج/ داميان شازيل Damien Chazelle، وعبر الفيلم نتابع المواجهة بين (فليتشر/J.K. Simmons) و (أندرو/Miles Teller) من أجل أن يجيد الأخير عمله كعازف للدرامز أو الطبول في معهد الموسيقى، تحت إشراف “فليتشر”.
ينتهج “فليتشر” مع تلامذته سياسة “الكرباج/السوط”، وهي ترجمة حرفية لعنوان الفيلم “whiplash”، ولمعزوفة موسيقية رائعة داخل الأحداث، يضغط عليهم باستمرار ليخرج منهم أفضل وأحسن ما عندهم، ويتّبع في سبيل ذلك أساليب قد لا تبدو منصفة أو اعتيادية، وربما شديدة القسوة، إلاّ أنّها تثمر في النهاية وبشكل غير متوقع.
في أحد مشاهد الفيلم يشرح “فليتشر” لـ “أندرو” سياسته وكيف أنه يدفع بهم إلى أقصى ماعندهم ليجعل منهم عظماءً ومميزين في عالم الموسيقى، وليس مجرد عازف آخر… ويرد عليه “أندرو” بسؤال وماذا لو أدى هذا الضغط إلى تحطيم العازف نفسه؟ فيجيبه “فليتشر” حينها لن يكون عظيم. ما يفعله “فليتشر” في الفيلم مع فريقه هو دفعهم لمرحلة “تصفية” لغربتلهم تمامًا؛ ما يمكن أن نسميه “نقطة الانكسار” من يتجاوزها ينجح بشكل باهر ويضع قدمه على أول درب المجد.
وجهة نظر “فليتشر” التي أوضحها بجلاء شديد، أنّه لا يوجد أكثر ضررًا من كلمتي “Good Job”، فالنجاح معلم سيّئ كما نعلم، يخدر الحواس، ويمنعك من بذل المزيد والمزيد من الجهد…
قبل الوصول لتحليل المشهد الختامي للفيلم، الذي يمتلك كثير من الوجوه الجمالية والفنية على عدة مستويات رغم بساطته، أود أن أشيد بالأداء الاستثنائي من “J.K. Simmons”، والذي استحق معه جائزة الأوسكار من ضمن 3 جوائز أوسكار نالها الفيلم. أداء “سيمونز” جاء احترافي بشكل كبير وملائم تمامًا للشخصية المكتوبة التي جعلت المشاهد/المتلقي يتماهى معها تمامًا وينسى شخص الممثل، كاريزما شبه طاغية على كافة المشاهد التي ظهر فيها، وجه “سيمونز” يسرق الكاميرا حرفيًا.
أداء Miles Teller -وهو ممثل وموسيقي- في دور “أندرو” كان عفوي وبسيط وبما يتناسب مع الشخصية المكتوبة بعناية، وكون “ميلز تيلر” وجهًا غير شهير بالنسبة لنا، جعل انفعالاته وتجسيده جديد وغير متوقع من المشاهد.
داخل حبكة الفيلم هناك قصة حب قصيرة وصغيرة بين “أندرو” و”نيكول” وهي قصة لم تكتمل، انفصالهم عن بعض جاء بطلب من “أندرو” لأنّها ستعوقه عن إكمال مسيرة حياته بالشكل الذي يريده وتحقيق أحلامه، وهو ما يخدم خط الدراما الأساس في الفيلم عن البطل الذي يتجاوز كافة المشتتات والأسباب سعيًا إلى هدفه.
موسيقي الفيلم جميلة جدًا وملهمة، يمكنك الاستماع إليها من هنا، ومشاهدة المشهد الختامي في نفس الوقت، قبل أن نكمل الحديث.
فى المشهد الختامي للفيلم، نشاهد “أندرو” محبط شبه مهزوم بعد خدعة “فليتشر” الأخيرة معه، يقرر المغادرة بالفعل ويذهب إلى الكواليس خلف الستار حيث ينتظره والده ليغادرا سويًا، لكنه في اللحظة الأخيرة -لحظة التنوير- يتراجع ويقرر العودة للمسرح والعزف بشكل مبهر يجعله فعليا يقود “الأوركستر” وليس المايسترو، ويتجلى فوز “أندرو” الساحق وانتصاره على نفسه وليس على “فليتشر” حين واصل العزف على الدرامز بعد انتهاء المعزوفة الأساسية، وانطفاء الأنوار على المسرح، مما يجبرهم على إعادة الأضواء وتركيزها عليه…، المشهد حافل بالدلالات الجمالية والفنية، سنتوقف عند بعضها…
لاحظ حركة الكاميرا الحائرة ما بين “فليتشر” و “أندرو” أثناء العزف، بشكل سريع للغاية كأنّما هي حائرة فيما بينهما.
لاحظ انزواء والد “أندرو” ما بين ضلفتي الباب، وهو بلغة السينما (إطار داخل إطار) -حيث الأطار الأساس هو شاشة السينما ذاتها- تعبيرًا عن تراجع دوره وتأثيره على -ابنه- الفتى الشاب، والذي حاول الأب طوال حياته أن يجعل منه نسخة منه فيما يحب ويكره.
شاهد كيف يسارع “فليتشر” إلى ضبط المعدات للشاب “أندرو” حين تألّق في العزف ووصل للقمة التي يريدها هو منه منذ البداية.
انظر كيف عبر المخرج عن معاناة “أندرو” قرب نهاية المشهد وولادته من جديد عن طريق استخدام “الصمت” لثوان ليعبر عن معاناته في العزف في فيلم موسيقي بالأساس، من قبيل تعريف الأشياء باضدادها، وهي نفس الحيلة التي استخدمها “كوبولا” العظيم في ختام ثلاثية “العراب” حين يصرخ “مايكل كورليوني” من الصدمة والألم لمقتل ابنته بين يديه، ويقوم بالصراخ من هول المفاجأة ويختار المخرج العظيم أن يكتم شريط الصوت تمامًا تاركًا للمشاهد أن يتخيل صراخ “الدوّن” كما يحلو له.
الفيلم رائع وأنصح بمشاهدته… هنا حيث انتهى الجزء الثانى من المقال، ولا أعلم ربما يتبعه أجزاء أخرى نحاول فيها ان نقرأ سويًا مشاهد وأفكار المزيد من الأفلام الجميلة والممتعة. شاركوني انطباعتكم عن فيلم “whiplash” في تعليقاتكم أو أي فيلم يعجبكم، ربما يلهمني تعليق منهم لكتابة جزء ثالث لهذا المقال…
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.