تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فيلم Never Rarely Sometimes Always .. أسئلة مُعلّقة وإجابات متأرجحة

صورة فيلم Never Rarely Sometimes Always
نوار عكاشه
نوار عكاشه

5 د

الكثير من الجدل المُثار والآراء المتضاربة رافقت مصطلح (السينما النسويّة) حديث العهد، مستوى الأفلام المُدرَجة تحت هذي التسمية تشير أنّ مؤيديه يحاولون فرضه بِالإكراه من باب الجندرية البحتة بِغياب أعمال تقدمه بِشكل لائق يكسبه ميزة خاصة.

وبعد أعوام من المُشادات؛ تأتي المخرجة الأمريكية «إليزا هيتمان» (1979) بِثالث وأحدث أفلامها الروائية الطويلة Never Rarely Sometimes Always  «مُطلقاً، نادراً، أحياناً، دائماً» (2020، 101د) لِتقدم مثالاً حقيقياً عن فيلم نسوي يبحث في العمق ويعالج قضايا حساسة وجريئة تهم المرأة ضمن عالميها الخاص والمحيطي.

ملصق فيلم Never Rarely Sometimes Always

الإجهاض بين التحريم الأخلاقي والتشريع القانوني

يتطرق الشريط (جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان صندانس وجائزة الدب الفضي من مهرجان برلين) لِقضية الإجهاض التّي تعتبر من المحرمات الأخلاقية حتّى لو شرعتها القوانين، ذاك التحريم شملها في السينما أيضاً ونادرة جداً الأفلام التّي عالجتها، أشهرها الفيلم الروماني «أربعة شهور ثلاثة أسابيع ويومين» (2007، 113د) الحاصل على السعفة الذهبية، وتناول فتاة تجري عملية إجهاض غير شرعية إبان الحكم الشيوعي لِرومانيا والذي استغل القضية لإسقاط مفاهيم سياسية واجتماعية تتعلق بِالحريات والحقوق.

لكن “هيتمان” جردت فيلمها كلياً من التأويلات، وغاصت في عمق الموضوع لتقدمه بِتجرد كلّي بِمنتهى الواقعية والشفافية، واشتغلت كتابةً وإخراجاً على خلق فرادة في الطرح عبر عدة ميزات.

يتتبع الشريط الفتاة القاصر “أوتوم” (سيدني فلانيجان) في سعيها لإجراء عملية إجهاض دون علم والديها، مما يحتم عليها السفر والتنقل بين الولايات لأسباب متعلقة بالقوانين، ترافقها ابنة عمها “سكايلر” (تاليا ريدر) لِدعمها ومساندتها، فَتأخذنا تلك الرحلة ظاهرياً نحو استكشاف تعقيدات قضية الإجهاض، لكنها في العمق تتكشف تتدريجاً عن مشكلات المرأة النفسية والجسدية وصراعاتها اليومية المسكوت عنها ضمن مجتمعها الذكوري.

أوتوم تقرر إجهاض الجنين فيلمNever Rarely Sometimes Always

لعبة الأسئلة المعلقة

نتعرف مبكراً على سمات شخصية “أوتوم”، فتاة من بلدة صغيرة، هادئة ومتوازنة، صلبة وصاحبة عنفوان لا يسمح لها بالسكوت على ضيم أو إهانة، لكنها بالمقابل ضعيفة ومهزوزة أمام الحبّ وهو ما أودى بها لِمقارعة خطأ حملها بِصمت واستكبار.

تعرُفنا على طبيعة الشخصية ليس كافياً لِفهم الحدث ومبرراته، فَتبادرت لأذهاننا تساؤلات عديدة في محاولة لربط الأمور، لكن تلك الأسئلة بقيت معلقة دون إجابات، وهي لعبة “هيتمان” وميزة فيلمها في جعلنا ننغمس تماماً مع سير الأحداث بِانتباه واندماج تام في محاولة منا لإيجاد أجوبة.
تتبادر ثلاثة أسئلة أساسية في الشريط: هوية والد الجنين، ماهية قرار الإجهاض، سبب إخفاء الأمر عن الأهل.

وفي لعبة موازية من “هيتمان” تجعل تلك الأسئلة تتأرجح في مخيلتنا، تخبو أحياناً لتعود للظهور بقوة بعد حين، هي لعبة جذب وتشويق المشاهد، اشتغلت عليها المخرجة عبر تبطين حكايتها بِقضايا موازية وداعمة كَالتحرش الجنسي والتعاضد النسوي والإهمال الأُسري، تلك البطانة لعبت دورين أساسين، أولهما في تخاطر أسئلة الفيلم مع الواقع وثانيهما في إعادة تشكيل مفهوم السببية بعيداً عن المباشرة.
فَكانت النتيجة تقديم إجابات متأرجحة وغير أكيدة لأسئلتنا، لكنها حُكماً مؤثرة ومسببة بِشكل أو بِآخر، فَكيف تحقق ذلك؟

أوتوم وسكايلر فيلم Never Rarely Sometimes Always

أجوبة متأرجحة

السؤال الأكثر إلحاحاً يتعلق بِهوية والد الجنين، فَهو شريك رئيسي في المشكلة التّي أدت للصراع في الفيلم، تغييب تلك الشخصية يترك فراغاً من الصعب جداً تجاوزه في السيناريو، لكن “هيتمان” استطاعت ذلك بِبراعة عبر اتجاهها العمدي لِترميز الشخصية.

في الساعة الأولى من زمن الفيلم جعلتنا بِحيرة وصلت بِنا لاتهام كل الذكور الذين ظهروا، الشاب الذي قاطع غناء “أوتوم” في بداية الشريط واصفاً إياها بالعاهرة، وبعده شاب آخر في المطعم ينظر إليها ويؤدي حركة إيحائية جنسية، ولاحقاً الوالد الذي يداعب كلبة جنسياً أمام أفراد الأسرة ويتفوه بألفاظ الخضوع دون حياء والذي لم نعرف إن كان والدها البيولوجي أم أبّ بديل، حتّى وصلت بنا الظنون لاتهام كل متحرش ظهر في طريقها لإجراء العملية.

لكن المشهد المحوري الذّي جمع البطلة مع الاخصائية النفسية أضعف سؤالنا وحوّر احتمالاتنا نحو رمزية مؤثرة، المشهد أوجب على “أوتوم” الرد على أسئلة شخصية بِإحدى الكلمات الأربعة (مُطلقاً، نادراً، أحياناً، دائماً) التّي حملت عنوان الفيلم، وشاهدنا انهيارها حين سؤالها إن كان حبيبها يقوم بِضربها، لنستشعر جوابها (دائماً) دون أن تنطق الكلمة.

بساطة الفكرة وعبقرية التجسيد .. مراجعة فيلم parasite

بعد الحوار مع المرشدة النفسية فيلم Never Rarely Sometimes Always

شكّل هذا الجواب طبيعة شخصية والد الجنين، مما أسقط اهتمامنا بِمعرفة هويته، فالشخصية بِطبائعها أساساً وليست بِاسمها وعلاقاتها، وذلك ما دفعنا لتصور الشخصية وتوجيه الاتهام لكل احتمالاتتا السابقة جمعاء ولكل ذكر يسيء معاملة امرأة تحبّه، وهو ما استطاعت “هيتمان” إيصال رمزيته بِذكاء وحسّ عالي.

بعد تكشُف الجواب الأول يُصبح الجواب على سؤالنا عن ماهية قرار الإجهاض تحصيلاً حاصلاً، وإن أعلنت “أوتوم” جوابها المباشر في الفيلم بالقول: “لست مستعدة لِأصبح أمّاً” فِإن جوابها يحمل في طياته المزيد من الأجوبة الداعمة، ويمتد لِمعاني أعمق لاسيما بعدما أظهر الشريط ظروف وتعقيدات حياة المرأة في المجتمع، وحضورها الدائم في ساحات المعارك لِلدفاع عن نفسها أمام العنف والتحرش والابتذال.

فضلاً عن غياب داعم حقيقي لها، وهو ما يجيب عن سؤالنا حول سبب إخفاء الأمر عن والديها، حيث شاهدنا الأب الغرائزي بدايةً، وشهدنا إهمال الأم حين تلقت اتصالاً من ابنتها بلحظة ضعف وألم، وعدم معاودتها الاتصال بعد انقطاع المكالمة! مما يوحي بِغياب رابط أسري سليم وقادر على إعطاء حالة الأمان لأفراده.

وسط مساحة واسعة من الحيرة فيلم Never Rarely Sometimes Always

دعوة للنساء كي يقفوا جنباً إلى جنب في هذا العالم

كل تلك التفاصيل السردية الموجودة بفيلم Never Rarely Sometimes Always كانت كفيلة بِخلق تعاطف وانحياز تام للشخصية الرئيسية، وهو ما تحقق دون تغليف الشخصية بِلبوس تراجيدي، بل كانت شخصية بسيطة جداً وهادئة بطبعها، متمسكة بالحياة ومندفعة بِعزيمة ترفض الانكسار، كما ابتعدت المخرجة تماماً عن المونودراما المستهلكة في إدارتها للممثلة، وفضلت أن تترك للهدوء والأداء التمثيلي المركب أن يؤدي المهمة بِرقة وحوارات موجزة.

كان لِشخصية “سكايلر” دور أساسي في تكوين الفيلم، اكتسبت الشخصية شرعيتها وأهميتها من رحم واقعية الحالة والتركيبة المجتمعية، فَالمواجهة الفردية خاسرةً غالباً، ولولا وجود داعم لما كان للبطلة أن تتجرأ على المواجهة بِالأساس، فَكانت “سكايلر” من تدبر المال ورافق البطلة وأوجد الحلول، ذلك التأزر الحاصل يوجه دعوة رمزية لِلنساء كي يقفوا جنباً إلى جنب في هذا العالم المزري، ويكرس مفهوم الصداقة بِأبهى صورة.

ذو صلة

هكذا استطاعت «إليزا هيتمان» تقديم (سينما نسويّة) لائقة ومؤثرة، رغم أنّها وقعت بِخطأ تعمدها تقديم العنصر الذكوري كلياً بِصورة سلبية وتأطيره ضمنها، وهو ما يؤخذ على الشريط وإن ابتغت المخرجة بِذلك تقديم انعكاس لِرأي البطلة بِالرجال والنابع من معاناتها معهم.
لكنها بالتأكيد قدمت مثالاً جيداً سيتم تحليله مراراً والاستشهاد بِه حين تداول مفهوم سينما المرأة.

فيديو يوتيوب

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة