تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فيلم On Body And Soul … الرومانسية في أغرب وأجمل أشكالها

فيلم On Body And Soul
هدى اشنايبي
هدى اشنايبي

7 د

أتذكر جيدًا أنّه أثناء مشاهدتي فيلم On Body And Soul، وتحديدًا عند بلوغي الدقيقة السادسة عشرة تقريبًا، توصلت برسالة من صديقتي تسألني من خلالها عن ما أفعله في تلك الأثناء، وقد أخبرتها أنّني أشاهد الفيلم المذكور قبل أن أفاجَأ بسؤالها: ما قصة الفيلم؟ فأجبتها: في الحقيقة، لا أدري.

لم أكن أحاول حينها أن أكون طريفةً بأي شكل، فأنا فعلًا لم أكن أعرف ما الذي يتحدث عنه الفيلم، وقد تكرر السؤال مرةً أخرى بعد انتهائي من المشاهدة، ومرةً أخرى. لم أكن أملك أدنى فكرة عن كيفية شرح قصة الفيلم كما ينبغي. ليس لأنّني لم أفهمها، لكن لأنّ فيلم On Body And Soul هو واحد من تلك الأفلام التي صنعت لتشاهد، لا لتحكى أو توصف، وهو ما جعل أمر كتابة هذا المقال صعبًا للغاية، بل وجعل قرار متابعة المشاهدة يبدو وكأنّه أمر عسير جدًا، لكن ما دفعني إلى المتابعة يرجع بالدرجة الأولى إلى عدد الجوائز والترشيحات التي تم إغداقها على الفيلم، وهو ما جعلني أفيض أملًا بأنّ هناك شيئًا جميلًا ينتظرني، وأنّ كل ما كان علي فعله هو الاسترخاء والتحلي بالقليل من الصبر، وبالفعل فإنّ ظني لم يخب، بل أنّي أنهيت مشاهدة الفيلم بشعور جميل ذكرني بالسبب الذي يجعلني أعشق السينما.


بطاقة تعريفية بالفيلم:

العنوان: On Body And Soul

العنوان الأصلي: Testről és lélekről

بطولة: Géza Morcsányi, Alexandra Borbély

إخراج: Ildikó Enyedi

بلد الإنتاج: هنغاريا

لغة الفيلم: الهنغارية


قصة الفيلم:

بوستر فيلم On Body And Soul

تدور قصة الفيلم حول أندريه، مدير مالي داخل مسلخ أبقار، وماريا، الموظفة الجديدة المكلفة بالجودة في نفس المكان، حيث يكتشف كل منهما بالصدفة أنّ نفس الأحلام تراودهما كل ليلة، بل أنّهما “يلتقيان” في أحلامهما كل ليلة، بحيث يحلم كل منهما نفس الأحداث لكن من وجهة نظر مختلفة، والأهم. أنّ كلًا منهما يحلم أنّه غزال. نعم، هذا صحيح يحلم أندريه أنّه غزال يجول في الغابات، ويشرب من البحيرات الصافية، بينما يلتقي أنثى غزال تشاركه هذه اللحظات البسيطة والجميلة في هدوء، وبعيدًا عن نظرات الجميع، وبالطبع كما يمكنك أن تحزر، فإنّ ماريا تحلم كل ليلة أنّها أنثى غزال تعيش لحظات هادئة مع غزال آخر في الغابة.

كل هذا يبدو جميلًا وعذبًا وساحرًا إلى غير ذلك من الصفات التي يمكن أن نطلقها على هذه المصادفة الغريبة – وبحديثنا عن الغرابة، إذا كنت تعتقد أنّ هذا هو أغرب ما في الفيلم، فأنت مخطِئ تمامًا – إلّا أنّ المشكلة تكمن على أرض الواقع، حيث أنّ هذين الشخصيتين سرعان ما يحاولان ترجمة أحلامهما إلى واقع ملموس، وبالتالي الدخول في علاقة جميلة تعكس ما يعيشانه كل ليلة في هذه الأحلام، إلّا أنّهما سرعان ما يصدمان بحقيقة أنّ الحياة الحقيقية لا تسير بهذه البساطة.


قصة رومانسية أقرب إلى فيلم وثائقي: 

بطلة فيلم On Body And Soul

صحيح أنّ الفيلم مصنف في خانة الدراما بشكل رئيسي، لكنني أجده شخصيًا فيلمًا رومانسيًا بامتياز؛ وذلك لأنّه لا يمكننا إنكار أنّ هذه القصة هي قبل كل شيء قصة حب، قد تكون قصة حب غير معتادة أو غير تقليدية، لكنها تبقى أولًا وأخيرًا قصة حب، وهو الأمر الذي يدفعني للاعتراف بأنّ الأفلام الرومانسية التي تستهويني قليلة جدًا، بحيث أنّها تقع فعليًا في نهاية قائمة التصنيفات التي أفضلها، وذلك يعود بشكل أساسي لعدم واقعيتها عمومًا، إضافةً إلى تكرر نفس القصص ونفس النهايات ونفس المشاكل في مئات الأعمال، لكن هناك شيئًا مختلفًا في هذا الفيلم تحديدًا، ويتمثل ذلك بالأساس في أنّ هذه القصة قد تم تقديمها بشكل يشبه إلى حد كبير الأفلام الوثائقية، بمعنى أنّنا نشعر بشكل أو بآخر أنّنا لا نشاهد “قصة” بالمعنى التقليدي – وهو ما يفسر صعوبة رواية أحداث الفيلم – وإنّما نجد أنفسنا أمام ما يقارب “دراسة” لسلوك الشخصيتين الرئيسيتين من خلال عين ثالثة تمثل بالطبع عين المخرجة، إلّا أنّنا نشعر في أحيان كثيرة أنّنا نحن من يجري هذه الدراسة.

نلاحظ خلال الفيلم جوًا باردًا جدًا كحياة أندريه وماريا، وهو أمر يبدو جليًا من خلال طريقة حديث الشخصيات بشكل عام، وهي طريقة تكاد تكون خاليةً من أية مشاعر أو أحاسيس، والأهم موسيقى الفيلم الغريبة إلى حد طريف نوعًا ما، بحيث أنّ الموسيقى في هذا الفيلم لا تهتم بأي شكل بما إذا كان المشهد حزينًا أو سعيدًا، بل أنّنا نجد أنّ الفيلم خالي من أية موسيقى تذكر خلال الغالبية العظمى من مدته، وهو بالتأكيد أمر مخالف ومعاكس لمعظم الأفلام الرومانسية التي تكاد تملي عليك ما “يجب أن تشعر به” في كل مشهد، فيجب عليك أن تضحك هنا وأن تفرح هنا وأن تشعر بالدفئ هنا، وهنا حان وقت البكاء، لكن هل يعني هذا أنّ هذا الفيلم قد ترك لنا حرية الشعور بما هو يوافق وجهة نظرنا؟

في الحقيقة يصعب علي الإجابة على هذا السؤال، لقد شاهدت الفيلم مرتين قبل كتابتي هذا المقال، ويمكنني أن أؤكد أنّني في أحيان كثيرة لم أكن أعرف ما الذي من المفترض أن أشعر به أو أن أفكر فيه خلال عدة مشاهد في هذا الفيلم، فقد تم تقديم عدة مشاهد حزينة ومؤلمة بشكل يخفي نوعًا من الكوميديا السوداء القاسية التي تتركك حائرًا فيما كان “من المقبول” أن تضحك أو أن تجد ما قد شاهدته طريفًا بأي شكل، وهو الأمر الذي يتعلق أيضًا بمشاهد كانت ستصنف ضمن “المشاهد السعيدة” في أعمال أخرى، لكنني وجدت نفسي أمام شعور غير مفهوم بالشفقة على هذه الشخصيات، وشخصيًا أعتقد أنّ كل هذا مقصود من المخرجة التي استحقت بجدارة جائزة الدب الذهبي خلال مهرجان برلين الدولي السينمائي، فكما قلت سابقًا يعتبر الفيلم دراسةً لسلوك شخصيتين معينتين بدل تقديم قصة عادية تهدف إلى تحريك مشاعر بعينها.

صورة فيلم On Body And Soul

“نراقب” طوال الفيلم كلًا من أندريه وماريا من مسافة بعيدة، فنحن لا نعرف تحديدًا ما يفكران به، لا نعرف ماضيهما ولا أي شيء يتعلق بحياتهما غير ما نراه من خلال “مراقبتنا” لحياتهما، فنلاحظ أنّ أندريه رجل متقدم في السن ويعاني من شلل في إحدى يديه، كما أنّه يتمتع بشخصية جادة، طيبة القلب وانطوائية بحيث أنّه قليل الكلام ولا يملك الكثير من الأصدقاء والمقربين غير صديق واحد ذي شخصية معاكسة لشخصية أندريه، فهو شخص ثرثار لا يتوقف عن الحديث بشكل متحذلق لكنه لا يقوم بتطبيق أي شيء مما يقوله طوال الوقت، وهو ما نستمر بمشاهدته لمدة وجيزة قبل أن نتعرف على ماريا.

شخصية ماريا مشابهة بشكل كبير لأندريه، فهي وحيدة وتعيسة أيضًا، ذات شخصية انطوائية لكن بشكل متطرف جدًا إذا ما قمنا بمقارنتها بأندريه، بل أنّني أكاد أجزم أنّ ماريا مصابة بالتوحد، لكن بما أنّ هذه المعلومة لم تصدر على لسان أي شخص خلال الفيلم، فإنّني سأحاول تجاهل هذه الفكرة، المهم هو أنّنا نلاحظ أنّ ماريا تتمتع بذاكرة وبقوة ملاحظة شديدتي القوة، لكنها غير قادرة على إجراء أيّة محادثة طبيعية، بمعنى أنّها غير قادرة على إيجاد الردود المناسبة للكلام الموجه إليها، وغير قادرة على التعبير عن ما تفكر فيه فعليًا إلّا عندما تكون وحيدةً حين تقوم بإعادة تصوير المحادثات التي أجرتها بشكل يشبه محاولتها تصحيح العبارات الخاطئة التي تفوهت بها، وهي عبارات تؤدي لعدة مفارقات مؤلمة – مضحكة خلال الفيلم، لكن مرةً أخرى. نحن هنا لنراقب سلوكهما.

ذو صلة

يتسبب تصادم كل من شخصيتي ماريا وأندريه في تعقيد علاقتهما، حيث أنّ الثنائي مستعد بالفعل في الدخول إلى علاقة دافئة خلقها “القدر” الذي أراد لهما أن يلتقيا بسبب أحلامهما، إلّا أنّ أندريه غير مستعد في سنه المتقدم للدخول في علاقة صبيانية أو معقدة، فنلاجظ أنّه صريح جدًا ويقوم بالتعبير عن ما يريده بشكل مباشر، بينما تجد ماريا صعوبةً حادةً في خوض محادثة عادية، وهو ما يدفع بأندريه بعيدًا بالطبع بسبب استنتاجه أنّ ماريا غير مهتمة به رغم أنّها تكن إعجابًا فعليًا تجاهه، وهكذا. فإنّنا نستمر في اكتشاف التطورات الطارئة على علاقتهما، كما نتعرف على جهودهما المتتالية للاقتراب ولو قليلًا من التجربة التي يعيشانها كل ليلة في العالم الآخر، فهل ينجحان في ذلك؟ وإلى أي مدى؟ حسنًا، سيكون عليك مشاهدة الفيلم للتعرف على الإجابة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الفيلم غير صالح لجميع الأذواق، وأنّه يحتوي على مشاهد قد تكون صادمةً للبعض، بالإضافة إلى بضعة مشاهد قد يعتبرها الكثيرون مقززةً، أهمها بضع مشاهد داخل مسلخ الأبقار، وهو ما يفسر بشكل أو بآخر السبب الذي جعل البطلين يحلمان أنّهما غزالان؛ وذلك لأنّ هذه الحيوانات تعيش طليقةً وحرةً على خلاف الأبقار التي يشاهدنها كل يوم تُقْتَل من أجل متعة الانسان.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة