Nowhere،Fall،The Swimmers.. لماذا يحب الجمهور أفلام المجهول المخيف؟!

افتتان الإنسان في حكايات الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة، ليس جديدًا، فهناك قصص عديدة تم تناولها عَبر السنين، من خلال الأساطير الشعبية، والروايات الأدبية.

ولعل قصة الممثل العالمي "توم هانكس" من خلال فيلم "Cast Away"، هي الأكثر ارتباطًا بنا سينمائيًا، فالعمل الذي قدم منذ 23 عامًا، مازال قابعًا في الذاكرة، ويتم استحضاره مع كل عمل جديد، تكون الثيمة الرئيسية فيه "الصراع من أجل البقاء". 

الجماهيرية التي تحظى بها هذه الأعمال، نابعة من قدرتها على جعلنا نختبر مشاعر تزيد من هرمون الأدرينالين، الهرمون الذي يصارع على البقاء، ويترك الجسد متيقظًا لما قد يحصل، تمامًا كما يجري مع أبطال تلك الأفلام.

أيضًا نشعر بأهمية الحياة عندما توضع الروح البشرية بمواجهة حتمية مع الموت، ليذكرنا بهشاشة الجنس البشري أمام قوة الكون، وتعقيدات الطبيعة، كاشفًا عن غريزة الكائن البدائي الذي يدخل في صراع وجودي مع الموت، والتأثير النفسي الذي يسببه الخوف والعزلة عن العالم، بانتظار انتهاء هذا المجهول المخيف. 

اليوم في "أراجيك فن" نريد أن نبحر ونسير ونعلو قليلًا مع أفلام عالمية تصدرت تريند السوشيال ميديا فور طرحها وسط إثارة حالة من الجدل خلال الفترة الأخيرة بين مؤيد ومعارض، مع شخصياتٍ وضعتها الحياة في رحلة تحدٍ معها والطبيعة، ترى ما الخسارات والعقبات التي سترافق مغامرات أبطال أفلام "Nowhere"، و "Fall"، و "The Swimmers"؟ 

في عمل نتفليكس الجديد حول الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة، لا يمكن إبعاد أنفسنا عن ما يحدثه فيلم "Nowhere" من إثارة وتشويق، الأمر الذي يجعل فعل المشاهدة ممكنًا طوال فترة العرض. 

أحداث "لا مكان" تجري في إسبانيا، في أثناء مرحلة صعبة يختبرها العالم الأوروبي، نتيجة نقص الموارد الغذائية والمائية، ما تسبب بفوضى عارمة، ونقص في المستلزمات الأساسية للحياة. 

الأمر الذي أدى إلى ظهور النظام الشمولي الاستبدادي، الساعي للتخلص من الأطفال والنساء الحوامل، بهدف السيطرة على السكان، والتحكم بالموارد الضرورية المتاحة. 

لذلك هناك عديد من العائلات تخطط للهجرة بطريقة غير الشرعية، عن طريق الاختباء في حاويات ذاهبة إلى السفن المتجهة إلى أيرلندا. من بينهم نيكو (تامار نوفاس) وزوجته الحامل ميا (آنا كاستيلو)، إلا أن الزوجان ينفصلان بالإكراه عن بعضهما فيما بعد.

ويتعرض ركاب الحاوية للقتل على يد رجال الأمن، لكن آنا تتمكن من الاختباء وتبقى على قيد الحياة، ووحيدة في الحاوية التي سقطت بالبحر. ومن هنا تزداد معاناتها أكثر تدريجيًا، وصراعها مع الطبيعة من أجل البقاء، خصوصًا أنها ستدخل قريبًا في المخاض، مع القليل من الإمدادات. والآن عليها المقاومة لإنقاذ روحها وابنتها من المحنة التي وجدت نفسها محاطة بها، مع حاوية ملأى بثقوب الرصاص. 

تحاول قصة الكاتبين "إرنست رييرا" و"تيريزا دو روزيندو"، أن تكون عميقة بمحتواها، من خلال تقديمها في البداية كجزء من معاناة الشعوب التي تسلك طريق الهجرة غير الشرعية، هربًا من الحروب والأزمات، لكن لا شيء من  ذلك في العرض، كل شيء كان فقيرًا.

لكنها نجحت بتحقيق عنصري الإثارة والتشويق، لاعتمادها فكرة حاوية غارقة في عرض البحر مكانًا رئيسيًا للأحداث، يشعرك بالضيق والخنق، وأن حلول الأرض منتهية لا محالة.

 كمتفرج تدرك أن حلول السماء قادمة، فالنص يعج بالحلول العجائبية أحيانًا، وغير المنطقية كثيرًا، التي يسرت رحلة نجاة البطلة. 

نرشح لك: فيلم Nowhere.. حينما تصبح الأمومة معركة قاسية على حافة البحر!

فيلم Nowhere قصة بسيطة، عرف المخرج "ألبرتو بينتو" كيف يرويها، مع حفاظه على شروط صناعة الإثارة والتوتر، ولعل أبرز إيجابيات العمل اشتغاله على التقلبات النفسية للبطلة، وصراعها الداخلي، وتطورها تبعًا للظروف القاسية، مما جعلها امرأة وأم قوية بارعة في الخروج من مآزقها. 

عندما تدرك ماهية فكرة فيلم "Fall"، التعليق الأول الذي يخرج على لسانك “هذا ضربٌ من الجنون”. لأن العقل مبدأيًا سيتعجب من فكرة، أن يقوم الإنسان بتحدي نفسه والخوف بارتكاب الحماقات، وأخذ القرارات الخاطئة لإرضاء هرمون الأدرينالين.

يتتبع فيلم "سقوط" حكاية الصديقتين بيكي (جريس كارولين كاري) وهانتر (فيرجينيا جاردنر)، اللتين قررتا تسلق برج إذاعة يبلغ ارتفاعه 2000 قدم، متحدين في ذلك مخاوفهم الشخصية. هذه المغامرة ليست بجديدة على الفتاتين، كون تسلق المرتفعات يمثل شغفهما في الحياة، ودائمًا ما تمارسان تلك التحديات مع الذات. 

وتحدي البرج الذي يعلو 2000 قدم عن الأرض، هو اقتراح هانتر التي تصر على بيكي لمرافقتها في هذا الجنون، وذلك لإخراجها من حالة "اضطراب ما بعد الصدمة" التي غرقت بها، عقب وفاة زوجها قبل عام في أثناء تسلق أحد الجبال، وهذا ما خلق لديها فوبيا تجاه الأماكن المرتفعة.

ولمواجهة ما تعيشه تقبل العرض، ويذهبان لخوض المعركة مع الذات، دون إداركهما أن هذه الرحلة ستشكل منعطفًا كارثيًا في حياتهما. ومع مرور الوقت تجد الصديقتين نفسيهما عالقتين في الهواء، 

نتيجة انهيار السلم وتآكله بسبب الصدأ الذي تشكل مع الزمن. وبالطبع لم يتوقعوا حدوث ذلك، وبالتالي ليس لديهما الاحتياجات الكافية من الماء والغذاء. وأضف إلى ذلك حرارة الشمس المرتفعة، وتغطية الهاتف لا تصل إلى هذا العلو. 

من أبرز النقاط التي تميز فيلم Fall، طريقة الإخراج التي اعتمدها "سكوت مان"، والتصوير السينمائي في إظهار جماليات الارتفاع الهائل، والمساحة الشاسعة في اللا مكان، مما يزيد شعور التوتر والخوف والعزلة، وانعدام الأمل من البقاء على قيد الحياة، فلا أحد يمكن أن يصيخ لكلامك. أيضًا الموسيقى التصويرية، التي عززت تلك المشاعر. 

غالبًا ما تكون مشكلات أفلام الصراع من أجل البقاء، هي مع النص في الدرجة الأولى، هل يعقل أن يقوم الشخص العاقل بتسلق شيء لم يفحصه سابقًا، وهو يعلم أنه صدئ، أو التسلح بالأدوات والمستلزمات الضرورية، خصوصًا أن المغامرتين متمرستين في هذا المجال، وهذه ليست التجربة الأولى. 

لكن لا يمكن الإنكار أن الحوارات التي دارت خلال رحلة الصعود بمجملها جيدة، حيث تم التعمق داخل الشخصيتين، وإبراز الحالة النفسية التي تقف خلف شخصية هانتر التي بدت سطحية وساذجة، ما يشغلها فقط تواجدها على السوشال ميديا. 

نرشح لك:  حقيقة تقديم جزء ثاني لفيلم fall بعد تجاوز إيراداته ميزانية إنتاجه!
فيلم Fall لا يجعلك تأخذ نفسًا عميقًا كافيًا، فلحظات التشنج والتوتر موجودة في كل المشاهد. 

قصة فيلم "The Swimmers" مستمدة من أحداث حقيقية، وتوثق حكاية كفاح أختين للبقاء على قيد الحياة أكثر من مرة. 

 تعيش بطلتا الفيلم سارة ويسرى مارديني (منال وناتالي عيسى) سيناريوهات مختلفة للموت، بدءًا من الحرب الدائرة داخل بلدهم سورية، إلى رحلة هروبهم لبلدٍ آخر، وتعثر خطواتهما قليلًا. 

بداية سن المراهقة عند يسرى وسارة، كانت مع اشتعال فتيل الحرب في سورية، والأجواء الخانقة هناك كانت تقف عائقًا في ممارسة أحلامهما وتطلعاتهما حول الرياضة التي يتقنوها.

خاصة أن والدهما لديه تطلعات أولمبية لهما، فالفتاتان سباحتان ماهرتان. لكن مآسي الأوضاع بالطبع لم تمنعهما من ممارسة التدريبات والحلم بتغير الحال، لكن سقوط قذيفة على المسبح خلال تدريبات يسرى، جعل فكرة السفر أمرًا ضروريًا لا يحتمل التأجيل. والوجهة ستكون ألمانيا من أجل لم شمل العائلة، كون يسرى لم تكتمل 18 عامًا وبإمكانها أخذ أهلها لاحقًا، وتحقيق حلمها في المشاركة ضمن أولمبياد ريو دي جانيرو. 

ينطلقون في رحلتهم غير الشرعية إلى أوروبا، أولًا من تركيا ثم اليونان، ومحطتهم الآخيرة ألمانيا بلد اللجوء. لكن تلك الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر، وواجهة الأختين كثير من الصعاب، حيث في أثناء هروبهم، يتعطل قاربهم ويغرق الركاب في البحر، ما يدفعهم للسباحة لساعاتٍ طويلة حتى يصلوا إلى بر الأمان. 

لكن المعاناة لم تنتهِ بعد، حيث ستواجه يسرى وسارة مشكلات التمييز العنصري وموضوع اللجوء وغيرها، ولكن كل هذا يهون أمام حلم الأولمبياد. 

تصور المخرجة "سالي الحسيني" كل حالات الضياع والاضطرابات النفسية للفتاتين، خلال تواجدهم في سورية، أو في عرض البحر، أو في ألمانيا، ومعاناة اللجوء.

كون الجانب العاطفي هو النقطة التي تستغلها هذه النوعية من الأفلام، التي تتحدث عن الأمل والشجاعة والمثابرة في تحقيق الأحلام. كما يتطرق للحالة الإنسانية التي يتعرض لها العرب عمومًا في بلادنا، والألم الذي يرافقهم من بلادهم وفي أثناء رحلة اللجوء، ومشاكل التأقلم والالتحام مع بلادٍ جديدة لا تشبه أرواحهم. 

ما يعاب على فيلم نتفليكس، أن هويته العربية ضائعة بعض الشيء، وأن هناك مشكلة مع اللغة العربية، فالشخصيات تتحدث الإنجليزية في أوقات كثيرة. أيضًا على الرغم من الحميمية التي يعتمدها في عملية السرد، لكنه لا يفلح في خلق الألفة مع البطلتين، بل مع حلمهما، ومع الصفة التي تكتسبها الإنسانية نتيجة الحروب، وهي صفة لاجئ. 

لكن يبقى "السباحتان" فيلمًا إنسانيًا مؤثرًا، يحاول الانتصار للروح الإنسانية، وللأمل بالنجاة. 

نرشح لك: استعانت بلاجئين حقيقيين.. المخرجة سالي الحسيني تتحدث عن كواليس “The swimmers” مع نتفليكس

والاَن أنت عزيزي القارئ؛ ما هو فيلم الصراع من أجل البقاء الذي نال إعجابك من بين هذه الأفلام الثلاثة؟