هالة غنيم تروي لـ”أراجيك” رحلتها من المنوفية إلى ألمانيا لتبدع في الفنون والتراث
الدراسة في الخارج أحد الأحلام التي تراود كثير من الشباب، ويسعى كثيرون للوصول لها، ويتشبث الشباب بالقصص الإيجابية كقصة الدكتورة هالة غنيم، فالأشخاص الذين يمتلكون حكاياتٍ من القوة والإرادة، يمثّلون نقاط إنارةٍ تضيء المستقبل وتعطي الشباب الطموح أملاً أنّه يمكن في يومٍ ما أن يصل إلى ما يريد، مثل غيره ممّن يقرأ عنهم، أو يرى حكاياتهم على شاشات الإعلام.
في السطور التالية نغوص مع قصة إحدى السيدات المصريات الناجحات، التي شغلت حديث الصفحات المتعلقة بشؤون المرأة كنموذجٍ مشرّفٍ وواجهة مصرية حصدت نجاحاتٍ مهمة في مسيرتها التعليمية خارج مصر. تروي الدكتورة هالة غنيم لـ “أراجيك” رحلتها من المنوفية إلى ألمانيا ومحطات مهمة مرت بها في طريقها نحو الحلم.
حصلت هالة هاشم غنيم على درجة الدكتوراه من جامعة فيليبس ماربورج العريقة في ألمانيا، عن رسالتها “قوة الوالي الناعمة في أوروبا”، وتتناول استخدام محمد علي باشا للفن وبخاصة البورترية كوسيلةٍ لنقل الرسائل السياسية، والتأثير على الرأي العام الأوروبي في النصف الأول من القرن التاسع عشر. المشرفان الرئيسيان عليها البروفيسور ألبرشت فوس رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة فيلبس ماربورج، والبروفيسور خالد فهمي أستاذ الدراسات العربية الحديثة بجامعة كامبريدج.

إن الحياة لم تكن تقدّم الزهور لهالة منذ البداية بل بدأت الصعاب منذ صغرها، حتى وصلت لهذه الدرجة العلمية، من إحدى الجامعات الألمانية الكبرى، التي تأسست عام 1527، ومن دلتا مصر إلى مدن العواصم الأوروبية، حيث ولدت في قريةٍ صغيرة في محافظة المنوفية، لأبٍ وأمٍ كانا مؤمنين تمامًا أن المولود الذكر له كل الحقوق، لأنّه سيحمل اسم الأب والعائلة، بينما الفتاة في منزلةٍ أقل.
الطفولة والحرمان من الأبوين مبكراً
تكوّنت أسرة هالة غنيم من أختين وأخٍ وحيد، كان هو المستحوذ الأول على الاهتمام والحب، ورغم هذه التفرقة التي شعرت بها إلا أنّها لم تنس مجالس العلم التي كانت تحضرها مع والدها، كان يختارها لحضور المناقشات العلمية التي كان يتبادل فيها مع زملائه قراءة كتب دينية ودواوين الشعر والكتب الأدبية، وكان يحرص على شراء الكتب والمجلات ومنحها لها مع قلّةٍ في الاهتمام بالجانب الطفولي لديها وشراء الألعاب.
توفّي الأب ولحقت به الأم، وذهبت الفتاة الصغيرة لتعيش لدى أسرة والدها، وبالطبع كونها يتيمة الأبوين في قريةٍ صغيرة، جعل مصيرها المتوقع التقدم قليلاً في العمل لكي تلحق بقطار الزواج مبكراً، إعمالاً بمبدأ زواج البنات “سُترة”.
كان حلمها في السفر والدراسة يراودها دائماً، وتحكي هالة عن هذا: “كلّما أخبرت زملائي في المدرسة بأنّني سأتمّ دراستي في إحدى جامعات أمريكا أو أوروبا، ضحكوا وسخروا مني، بل واتهموني بالشطط والجنون وقالو مستهزئين: “مش معنى إنك الأولى علينا كل سنة إنك هتسافري بره!””.
الخطوة الأولى نحو الحلم وتوالي النجاح
كل شيءٍ من حولها كان يخبرها أنّ هذا الحلم مستحيل، فتقاليد البلد لا تسمح، ولا الأحوال المادية، فمن الصعب موافقة الأهل على السفر وهم الذين رفضوا أن تلتحق هالة بمدرسة المتفوقين في القاهرة بعدما صار اسمها ضمن قائمة أوائل الإدارة التعليمية.
وفي السنة الثانية من الثانوية العامة أتيحت لهالة غنيم فرصة السفر إلى فرنسا في منحة، لكنهم رفضوا، وعبّرت هالة عن هذا الموقف قائلة: “إن أكثر ما آلمني رفضهم دخولي كلية الفنون الجميلة، وليس هذا الموقف فقط، وخيّروني بين الالتحاق بكلية العلوم أو التربية بجامعة المنوفية وبين المكوث في البيت وإنهاء رحلتي التعليمية”.
رضخت في البداية ودرست فصلاً دراسياً واحداً في كلية العلوم، وقضت هذا الفصل في البكاء والحزن، ولكن عزاءها الوحيد كان في الجوائز التي تحصدها في المسابقات الفنية، بعد ذلك وبمساعدة خالتها باعتبارها وصيّةً شرعية، انتقلت هالة لأقرب كليةٍ للفنون الجميلة، ولكنّها لم تستطع فالتحقت بكلية الآثار جامعة القاهرة فرع الفيوم، وبعد عام تسلّمت خطاب ترشيحٍ من شؤون الطلاب لدخول اختبار وزارة الخارجية الأمريكية للحصول على منحة فولبرايت لنيل درجة البكالوريوس من أمريكا.
هل كانت واثقة دائماً من خطواتها؟
كان الخوف يتردّد داخلها في البداية، ولم تستطع التقديم، ولكن بمساندة زميلةٍ لها، أقدمت على الخطوة وسافرت وبدأت رؤية حلمها القديم يتحقق أمامها.
سافرت هالة غنيم إلى أمريكا والتحقت بجامعة روجر ويليامز، وتخصصت في تاريخ الفن وحفظ التراث، في البداية كانت تشعر بخوفٍ شديد بسبب عدم إتقانها اللغة الإنجليزية، لكن مشرفها الأكاديمي للبكالوريوس نصحها بمواجهة خوفها، كذلك تنبّأ لها بالتدريس في المستقبل بإحدى جامعات أمريكا أو أوروبا، وكان أوّل تحدٍ لها في السنة الدراسية الثالثة، ونجحت أن تكون ضمن ثلاثة طلّابٍ اختارتهم قناة سي سبان (C-SPAN) الإخبارية الأمريكية كي تجري حواراً مع السيناتور الأمريكي جاك ريد عن حرب العراق.
في مرحلة البكالوريوس اختارتها بروفيسور تاريخ الفن لكي تعمل مرشدةً سياحية في متحف قلعة بلكوت، وحصلت على ترقيةٍ فيما بعد وأصبحت مساعد رئيس قسم الترميم في المتحف، وحصلت على الماجستير من إحدى جامعات هاواي.

متى بدأت فكرة الرسالة؟
بدأت قصة الدكتوراه عام 2010 عندما كانت لا زالت تعمل على إنهاء رسالة الماجستير، كانت حينها تحرص على حضور محاضراتٍ عن الاستشراق والفن، وطلب منها تقديم ورقةٍ بحثية عن نظرية الاستشراق والثقافة المصرية، وبالفعل قدّمت بحثاً في “فن الاستشراق ودوره السياسي في أوائل القرن التاسع عشر”، وعندما رأى البروفيسور پول لاڤي البحث أخبرها أنّه جيّد لدرجة أنه يستحق تحويله إلى رسالة دكتوراه.
في عام 2015 أقدمت هالة على تقديم طلبٍ للالتحاق بمنحة مؤسسة يوسف جميل في جامعة ماربورج الألمانية، بتشجيعٍ من صديقتها الدكتورة رحاب عبد الله، التي كانت تدرس في نفس الجامعة، وفي اللحظات الأخيرة استطاعت بالفعل التقديم، وعلمت بقبولها في مارس 2016، وسافرت في يونيو 2016.
رسالة دكتوراه من قلب تاريخ مصر

أما عن فكرة الرسالة فقد أوضحت هالة غنيم أن الموضوع كان من وجهة نظر اللجنة جديد ولم يتم التطرق له من قبل، وعنوان الرسالة عن ” قوة الوالي الناعمة في أوربا” وتتناول استخدام محمد علي باشا للفن، وبخاصة فنون الصّور الشخصية واللوحات كوسيلة للدبلوماسية المرئية، ولنقل الرسائل السياسية والتأثير علي الرأي العام الأوروبي في النصف الأول من القرن التاسع عشر .
ضمت لجنة التقييم أيضاً من جامعة ماربورج، بروفيسور هنريك زيجلر أستاذ تاريخ الفن الفرنسي والشمال الأوروبي في العصر الحديث، والبروفيسورة بيانكا ديڤوس أستاذ تاريخ الفن الإيراني في القرن التاسع عشر، وبروفيسور پيير هكر أستاذ سياسات الثقافة الشعبية في تركيا الحديثة، وكان فيه تقديرٌ كبيرٌ لرسالتها.
واجهت هالة صعوبات أثناء إعداد رسالتها، وأكثر الصعوبات عدم وجود مصادر تناقش هذا الجانب من عهد محمد علي باشا إلا كتاب واحد نشر فى عام 1949، الفرنسي جاستون ڤيت وبالتالي البحث يعتمد اعتماد كامل على المواد الأرشيفية والوثائق.
قالت هالة: “الحمد لله تعليق اللجنة وبخاصة الأكاديمي المشهور دولياً وأستاذ الدراسات العربية بجامعة كامبريدج الذي قضى 30 سنة من عمره يعمل على سيرة محمد علي، البروفيسور خالد فهمي، كانت رائعة وإن شاء الله هيتم نشر الرسالة في كتاب باللغة الإنجليزية قريباً من خلال دار نشر أكاديمية دولية مرموقة”.
اقرأ أيضاً: بلسانه وشفتيه صنع عالمه.. الرجل المعجزة خلدون سنجاب وكلّ الحكاية
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
الكشف عن أسرار مصدر نهر النيل الذي كان لغزاً لآلاف السنين!

2 د
ظلّ مصدر نهر النيل لغزاً لآلاف السنين.
لنهر النيل مصدران رئيسيان: النيل الأزرق من إثيوبيا والنيل الأبيض من البحيرات الأفريقية الكبرى وما وراءها.
حاولت العديد من الحضارات البحث عن مصدر النيل، لكن نظام النهر المعقّد يجعل من الصعب تحديد أصل واحد.
يعتبر نهر النّيل من أطول الأنهار في العالم وأحد أهم الأنهار في مصر والمنطقة العربية. ومنذ القدم، كان مصدر المياه الذي ينبعث منه النّيل يثير اهتمام المصريّين القدماء، وحتى الآن لا يزال هذا السؤال غامضاً ولا يحمل إجابة واضحة. على الرّغم من التقدّم التكنولوجي والمعرفة الجيوفيزيائية، لا يزال أصل النّيل لغزاً حتّى يومنا هذا.
في حين أنّ الإجابة البسيطة هي أنّ للنيل مصدرين رئيسيّين -النّيل الأزرق من إثيوبيا والنّيل الأبيض من البحيرات الأفريقيّة الكُبرى وما وراءها- فإنّ منشأ النّيل أكثر تعقيداً ممّا يبدو.
حاول الرّومان القدماء العثور على منبع النّيل، وبمساعدة المرشدين الإثيوبيين، توجّهوا عبر إفريقيا على طول نهر النيل إلى المجهول. على الرغم من أنّهم وصلوا إلى كتلة كبيرة من المياه كانوا يعتقدون أنّها المصدر، إلا أنّهم فشلوا في النّهاية في حلّ اللغز.
قبل الرّومان، حرص المصريّون القدماء معرفة أصل النّيل لأسباب ليس أقلّها أنّ حضارتهم كانت تعتمد على مياهه لتغذية ترابهم وتكون بمثابة طريق مواصلات. فتتبّعوا النهر حتّى الخرطوم في السّودان، واعتقدوا أنّ النّيل الأزرق من بحيرة تانا، إثيوبيا، هو المصدر. وقد كانت رؤية النيل الأزرق على المسار الصحيح، ولكن لا يوجد دليل على أنّ المصريين القدماء اكتشفوا القطعة الرئيسية الأخرى في هذا اللغز؛ النيل الأبيض.
واليوم، تمّ الاتّفاق على أنّ للنيل مصدرين: النّيل الأزرق والنّيل الأبيض، يلتقيان في العاصمة السّودانية الخرطوم قبل أن يتّجه شمالاً إلى مصر. يظهر النّيل الأزرق من الشّرق في بحيرة تانا الإثيوبيّة، بينما يظهر النّيل الأبيض من حول بحيرة فيكتوريا يخرج من جينجا، أوغندا. ومع ذلك، حتى هذه المصادر هي أكثر تعقيداً ممّا تبدو عليه لأول مرة.
يوضّح المغامر الشهير السير كريستوفر أونداتجي أنّ بحيرة فيكتوريا نفسها عبارة عن خزّان تغذّيها أنهار أخرى، وأنّ النّيل الأبيض لا يتدفّق مباشرة من بحيرة ألبرت ولكن من نهر كاجيرا ونهر سيمليكي، اللّذان ينبعان من جبال روينزوري في الجمهورية الكونغو الديمقراطية. في نهاية المطاف، كما يجادل، يمكن تتبّع النّيل الأبيض مباشرة إلى نهر كاجيرا ونهر سيمليكي.
في الختام، ليس لنهر النّيل مصدر واحد، بل يتغذّى من خلال نظام معقّد من الأنهار والمسطّحات المائية الأخرى. في حين أنّ الفكرة اللّطيفة القائلة بإمكانيّة تحديد المصدر بدقّة على الخريطة هي فكرة جذابة، إلّا أنّ الحقيقة نادراً ما تكون بهذه البساطة.
حتى اليوم، لا يزال مصدر النيل لغزاً يثير إعجاب النّاس في جميع أنحاء العالم.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.