خطط ناسا “الأكثر جنوناً” لإرسال البشر إلى المريخ قريباً
10 د
مقال بواسطة/ محمد أحمد فتيح
ما بين عامي 1950 و2000 قدمت ناسا ومجموعات مستقلة متنوعة أكثر من 1000 دراسة مفصلة لمهمات مأهولة إلى المريخ. ومع ذلك لم تأت أي من تلك الخطط أكلها. ويظل المريخ هدف ناسا النهائي ورقياً على الأقل، مع العربة كريوستي التي تُرى في بعض جوانبها كتمهيد لإرسال بعثات مأهولة.
يقول مدير وكالة ناسا تشارلز بولدن بعد نجاح العربة في الهبوط في 5 أغسطس (2012) “اليوم، بدأت عجلات كريوستي بشق درب لأقدام الإنسان على المريخ”.
بالرغم من ذلك، فإن المريخ ليس على خريطة الوكالة، فبعد تعيين المسبار MAVEN (Mars Atmosphere and Volatile Evolution) للإطلاق عام 2013، فإن ناسا لا تملك خططاً ملموسة للكوكب الأحمر. يقول المؤرخ دايفيد بورتري الخبير بتاريخ الرحلات الفضائية في مجلة Wired “بالتأكيد، فإنه لا أحد جاد حقاً بشأن إرسال بشر إلى المريخ في الوقت الحالي”.
ولاتزال هناك الكثير من الأفكار والخطط الطموحة للغاية – مثل رغبة إيلون موسك في الطيران إلى الكوكب الأحمر في العقدين القادمين – إلى رحلة مارس وان الانتحارية في اتجاه واحد والتي سيتم تصويرها كبرنامج لتلفزيون الواقع.
وفي هذا الصدد سنعرض هنا بعض الخطط التاريخية للذهاب إلى المريخ، والتي تجمع ما بين الجنون والمعقولية، ويظل لدى قليل منها الفرصة لتصير واقعاً.
لماذا لم نتمكن من إرسال بشر إلى المريخ بعد؟ تحديات وصعوبات
نموذج فون براون
كان رائد الصواريخ فيرنر فون براون أحد أوائل الناس الذين أتوا بتفاصيل رحلة مأهولة إلى المريخ على أساس علمي وهندسي سليم. وقبل انضمامه إلى ناسا ألف فون براون كتاباً بعنوان “مشروع المريخ” نُشر في ألمانيا الغربية عام 1952. وفيه يتصور خطة عظيمة لاستكشاف المريخ بسفن فضاء يصل وزنها إلى 4000 طن قادرة على أخذ طاقم مؤلف من 70 شخصاً إلى الكوكب الأحمر.
وحين يصلون إلى المريخ، يقوم بضعة رواد بالهبوط على السطح من خلال سفينة فضاء مجنحة ستهبط من السماء على الغطاء الجليدي القطبي للمريخ، وعندئذ يقومون بإتمام رحلة برية طولها 4000 ميل حتى خط الاستواء لبناء قاعدة وبناء وسادة تسمح للآخرين بالهبوط (على الأقل حتى لا تتهم فون براون بضحالة التفكير).
وظهرت نسخة مصغرة من هذه المهمة الملحمية الشهيرة للجمهور الأمريكي في سلسلة من المقالات نشرتها مجلة Collier ما بين عامي 1952 و1954. وكانت الخطط أيضاً بمثابة جزء إلهام لبرنامج والت ديزني الذي عرض على قناة ABC عام 1957 بعنوان المريخ وما بعده، والذي يمكن أن ترى محتواه الساحر على الإنترنت.
ورغم شهرة تلك المهام على المستوى الجماهيري، إلا أنها لم تحظ بأي دعم جدي من وكالة الفضاء ولا يعرف أحد تكلفتها. وقد قال فون براون في كتابه “مشروع المريخ” أن الوقود لوحده ستصل تكلفته إلى 500 مليون دولار – 4 مليار دولار بأسعار اليوم. كما عانت تلك المهام بنفص المعرفة عن الفضاء بين الكواكب، فسفن فون براون الفضائية محمية جيداً من النيازك الصغيرة، لكنها لا تتمتع بأي حماية ضد الإشعاع. والغلاف الجوي للمريخ معروف الآن بأنه رقيق جداً ولا يمكنه دعم أي مركبات هبوط مجنحة تضمنتها خطط فون براون.
أولى خطط ناسا
في عام 1971 ومع وصول المريخ إلى أقرب نقطة عن الأرض، كان لدى مسؤولي ناسا ومهندسيها رؤى راسخة في أذهانهم تجاه الكوكب الأحمر خلال الستينات.
يقول المؤرخ دايفيد بورتري.. ربما يكون العصر الذهبي للتخطيط في ناسا في تلك الحقبة.
أولى أفكار المهمات أتت من مركز أبحاث لويس (المعروف الآن بمركز جلين) في أوهايو، وقد وضعت النموذج الأولي لمعظم الخطط اللاحقة. وفيها سيتم تجميع صاروخ يعمل بالدفع النووي في مدار حول الأرض مع طاقم مؤلف من سبعة رواد، ثم يتم إشعال الصاروخ للذهاب إلى المريخ. وعند تحقيق الهدف يستقل رجلان مركبة هبوط تحط بهم على السطح المريخي. وسيقوم الرواد بالاستكشاف لفترة من الزمن ثم العودة إلى مدار المريخ باستخدام صاروخ كيميائي تقليدي يعمل بوقود الهيدروجين والأكسجين، وهناك سيلتقون مع أفراد الطاقم الآخرين ويعودون إلى الأرض.
ولكن تم وضع أي خطة للمريخ جانباً عام 1961 حينما دعا الرئيس كيندي ناسا لإرسال رجل إلى القمر وإعادتهم بأمان قبل نهاية العقد. ومع ذلك، فإن أهمية رحلات الفضاء خلال تلك الفترة حفزت الاهتمام بمهمات المريخ المأهولة. أولى البعثات المأهولة بين الكواكب ذهاباً وعودة سيتم فيها إرسال طاقم صغير للطيران بقرب المريخ ثم الزهرة.
بالرغم من أن رواد الفضاء لن يقوموا بالهبوط في تلك المهام، إلا أنهم سيطلقون مجسات للهبوط على سطح الكواكب واستقبال كم هائل من البيانات التي كنا نفتقر إليها بشدة حتى ذلك الحين. وقد يكون بحوزة الطاقم روبوتات يتم التحكم فيها عن بعد لإنجاز مهام لا يمكن أن تؤديها بشكل مستقل أو حتى مخطط لاستعادة عينات من السطح المريخي، وهي الجائزة التي يطمع فيها العلماء اليوم.
ويعتقد بورتري أن بعثات بذاك الأسلوب قد تكون الأقرب في الحدوث من أي مهمة مأهولة للمريخ، ويمكن إنجازها بتكنولوجيا حقبة أبولو ويمكن أن يأخذها الكونجرس على محمل الجد. لكن بعد أن تعرضت أبولو 1 لحرق مريع في عام 1967، والذي قتل أفراد الطاقم الثلاثة، لم يعد الكونجرس في مزاج يسمح بموافقته على تمويل وضع خطط لرحلات بين الكواكب.
يقول بورتري .. من المثير للاهتمام التفكير فيما قد يحدث لو لم يكن هناك حريق لأبولو 1
قضية المريخ
بعد نجاح الهبوط المأهول على القمر، اعتقد العديدون في ناسا وأماكن أخرى أن الوكالة عليها أن تنتقل إلى الخطوة المنطقية التالية وهي المريخ. رغم أن ما حدث في السبعينات هو العكس تماماً. فقد جاءت آخر خطط المريخ المأهولة عام 1971 وارتكنت الوكالة إلى مدار الأرض المنخفض مع أفكار مكوك الفضاء ومحطة فضائية.
يقول بورتري ” كان الحديث عن أي شيء يتجاوز المكوك والمحطة في السبعينات مقيداً بشدة للارتقاء الوظيفي”.
وكان الكونجرس مهتماً بتمويل ما هو أمامه حقاً. فقد تم الذهاب إلى القمر لأسباب سياسية، ولم يعد لدى ناسا الوقت للذهاب إلى الكوكب الأحمر لافتقاره إلى أي شيء يقارن بالمريخ. ولعقد من الزمان، تم وضع القليل من مهمات المريخ، لذا أخذ الناس خارج وكالة ناسا على عاتقهم طرح أفكارهم الخاصة.
في عام 1981 بدأ مهندسون يعملون مع وكالة ناسا يطلقون على أنفسهم اسم “المريخ تحت الأرض Mars Underground” بتنظيم سلسلة من المؤتمرات التي تنعقد مرة كل ثلاث سنوات للتخطيط لقاعدة دائمة على المريخ. في عام 1983 وضعت الجمعية الكوكبية – مجموعة مناصرة للفضاء لا تهدف للربح – واحدة من أكثر خطط المهمات تفصيلاً منذ الستينات. تتطلب الخطة 13 إطلاق لمكوك الفضاء لبناء مركبة لأربعة أشخاص والتي ستدور حول نفسها لتوفير ربع جاذبية الأرض خلال الرحلة إلى المريخ. سيقوم ثلاثة من أفراد الطاقم بالهبوط على السطح لإجراء التجارب والاستكشاف. وسيعود الجميع إلى الأرض بعد 18 شهراً.
لكن كارثة تشالنجر عام 1986 وضعت حداً لفكرة أن الناس سيستخدمون تكنولوجيا المكوك لوضع خطط للمريخ. وجاء سوء الحظ بمثابة ضربة كبيرة لكثير من الذين يدعون أن المكوك سيكون بمثابة وصول سهل ومستمر إلى الفضاء.
أشرس خطة لناسا
دفع الاهتمام المتجدد من خارج ناسا بالمهمات المأهولة بالوكالة إلى أن تأتي بأكثر خططها المفصلة بدءاً من أواخر السبعينيات. ولسوء الحظ، انتهوا بوضع أسوأ شخص ممكن في مسؤولية ذلك الجهد، وهو مدير الوكالة الأسبق توماس باين.
يقول بورتري ” أظن أنا باين قد شاهد مسلسل ستار ترك كثيراً، فقد كان لديه مثل هذه الأفكار العظيمة التي أخافت الجميع”.
تبدأ خطة باين بإعادة غزو القمر وتصنيعه من خلال مركبات جديدة مثل القاطرات الفضائية النووية والمكوكات الفضائية التي يمكن إعادة استخدامها بالكامل. وستطوف محطة فضائية على متنها 100 رجل في مدار حول الأرض، وعلى رواد الفضاء الذهاب والعودة من القاعدة القمرية على متن السفن الفضائية الجديدة. وحين تصل مركبة واحدة إلى نهاية عمرها الافتراضي، سيتم إطلاقها إلى المريخ لاستخدامها في بناء محطة فضاء وبنية تحتية هناك.
ويتطلب ذلك المخطط المحكم 20 إطلاق لصاروخ ساترن 5 سنوياً (يكلف كل منها 500 مليون دولار)، وتحتاج إلى مليارات إضافية لاستكمال تصوره.
يقول بورتري “لقد ساعدت في تكوين فكرة أن إرسال البشر إلى المريخ أمر كبير ومكلف”.
حتى إن باين تخطى بمراحل أفكار فيرنر فون براون في خطته المريخية الطموحة. وعندما خرج التقرير الطويل والمفصل في عام 1984، قبلته إدارة ريجان بكل سرور ثم وضعته على الرف ولم تنظر إليه أبداً.
مهمة سالي رايد إلى الأرض
ترأست رائدة الفضاء السابقة سالي رايد – أول أمريكية في الفضاء – لجنة ناسا في الثمانينات والمسؤولة عن التخطيط لمستقبل الوكالة. وقد منح شعارها “الريادة ومستقبل أمريكا في الفضاء” ناسا شيئاً واحداً افتقرت إليه ناسا منذ أبولو، ألا وهو الرؤية.
يقول بورتري “أنا معجب حقاً بخطة رايد، والتي لا تستند إلى الدفع النووي أو أي تكنولوجيا أخرى”. وأضاف بقوله “كانت عملية جداً”.
لم تكن خطة رايد مخططاً تفصيلياً، بدلاً من ذلك أقرت الخطة أن أولويات ناسا والتكنولوجيا لا يمكن التنبؤ بها بعد عشرين عاماً في المستقبل، لذا عرضت الخطة دليلاً مرناً مع خيارات يمكن للقادة الاختيار من بينها.
كان الخيار الأول والأرخص يطلق عليه مهمة إلى كوكب الأرض، وتم فيه وضع الخطوط العريضة لبرنامج استخدام الأقمار الصناعية والروبوتات لفهم أفضل لكوكبنا وتغيراته. أما الخطط الأكثر كلفة بقليل والطموحة ستكون إرسال مهمات روبوتية لاستكشاف النظام الشمسي. يمكن أن تكون مستعمرة تطورية على سطح القمر خطوة إضافية. وفي النهاية، تقترح رايد سلسلة من رحلات الذهاب والإياب إلى سطح المريخ والتي لن تكون لعبة سياسية مثل أبولو لكن خطة حقيقية لإنشاء قاعدة مريخية.
كل تلك المخططات الأربعة المحتملة مستقلة عن بعضها البعض، ويمكن تسريعها أو إبطاؤها بطرق عديدة. وبالاستناد إلى التمويل والإرادة الشعبية والسياسية، يمكن تنفيذ البعض منها بينما يمكن ترك البقية على الرف.
بوش ومبادرة استكشاف الفضاء
شهدت بداية التسعينيات اهتماماً متجدداً بالمريخ. أولاً فاجأ الرئيس بوش العديدين حين دعا لمبادرة استكشاف الفضاء لإنعاش ناسا. قد يكون الرئيس ساذجاً ليتمنى مقام كينيدي بخطابه الكبير الذي دعا فيه إلى مهمات العودة إلى القمر والمريخ دون إعداد الجميع بالكامل.
يقول بورتري “يبدو أن معظم الناس قد تفاجؤوا”، وأضاف “أظن أن الشخص الوحيد الذي بدت عليه السعادة حقاً تجاه الأمر هي باربرا [بوش]”.
اقتلعت مبادرة استكشاف الفضاء الكثير من الخطط الموضوعة وبدأت من الصفر. وتولى مركز جونسون للفضاء مهمة وضع الخطط والبدء في ابتكار أفكار جديدة. وسيتم استكمال محطة الفضاء التي دعا إليها بحلول عام 2000، يليها قاعدة على سطح القمر ثم بعثة المريخ بعد عام 2010.
وستتطلب خطط مهمات المريخ التي ستأتي من تلك الحقبة ثلاث بعثات مختلفة. كل منها سيبنى على إمكانيات الأخيرة لإنشاء قاعدة مريخية في نهاية المطاف. بالإضافة إلى ذلك سيقيم الرواد محطة للوقود الداسر على أقمار المريخ فوبوس وديموس لمساعدة المسافرين في المستقبل.
يقول بورتري “كان ذلك وقتاً مثيراً للاهتمام وتم فيه إنجاز الكثير من العمل الهام”.
لكن خطط بوش لم تكن أكثر من إعطاء شيء لمقاولي الدفاع ليقوموا به بعد انتهاء الحرب الباردة بدلاً من أن تكون استكشاف حقيقي للنظام الشمسي. وقد صعقت التكلفة البالغة 440 مليار دولار العديد من رجال الكونجرس. وفي النهاية تم نسيان مبادرة استكشاف الفضاء بنفس السرعة التي وضعت بها.
المستقبل على المريخ
وأتت الجولة الثانية من خطط المريخ تحت إدارة بوش [الابن] في العقد الماضي.
في برنامج Constellation سيتم بناء مركبة فضائية جديدة للعودة إلى القمر وإيفاد بعثة إلى المريخ في ثلاثينات هذا القرن. وأتت كثير من الخطط من مبادرة استكشاف الفضاء السابقة، جامعة بين أفكار آتية من مشروع المريخ مباشر لإنشاء أفكار ناسا الحالية ومعمارية التصميم المرجعي.
وبسبب التأخير والميزانية الزائدة، تم تنحية برنامج Constellation جانباً بشكل غير رسمي خلال الأيام الأولى من إدارة الرئيس باراك أوباما. على الرغم من أن العديد من الأهداف نفسها مازالت موجودة، مثل مهمة الكويكب المأهولة وخطة الرحلة المأهولة إلى المريخ المرسومة على الورق، فإن ناسا لا تعمل على تطوير أي شيء حالياً.
ربما يقع على عاتق المستقبل الأفكار التي ظهرت على السطح في السنوات الأخيرة. آخر استراتيجية للمهام لا تستلزم هبوط بشر على المريخ – التي تتطلب كميات وفيرة من الوقود ومركبات جديدة وبحث مكثف وقد تعرض الناس إلى الإشعاع والغبار الكاوي– بل سيتم استخدام الروبوتات والتي يتحكم فيها البشر من المدار المريخي لتنفيذ الاستكشاف العلمي.
يقول بورتري إذا أرسلت مركبة فضائية مريحة وجميلة تجمع بين توازن البشر ومساحة الغرفة، فإن ذلك يجعلها فكرة مثيرة للاهتمام.
المصدر
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.