تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فاتن وأملها الحربي.. هل تنجح تونة العنيدة في التهام قرش الظلم الاجتماعي؟

فاتن أمل حربي
عبدالرحمن عرفة
عبدالرحمن عرفة

6 د

بدايةً لا بد من القول أنّ أبطال المُسلسل الظاهرين للعيان في فاتن أمل حربي ليسوا الأبطال الحقيقين، إنما البطل الفعلي هو ذلك الرجل الذي اسمه شكيب الإسكندراني، صاحب الشنب الكث والكرش الدسم المليء بالدهون والقضايا العادلة وغير العادلة حتى!


شكيب الإسكندراني

شكيب الذي يريد منك أن تفعّل الجرس حتى يعمل "تن تن" ومن ثم تصلك آخر الإشعارات وأحدث المستجدات فيما يتعلق بالجلسات والمرافعات وقوانين الأحوال الشخصية.

بعيداً عن المزاح.. لا بد من القول أن فاتن -سمكة التونة العنيدة- وأملها الحربي في مجابهة الظلم الواقع عليها، أثارت ضجة كبيرة في الوسط المصري بشكل خاص، والعربي بشكل عام. وكعادة أي عمل فني مُهم، ينقسم فيه الناس لفئتين تتحازبان وتتخندقان وترجمان بعضهما البعض باستمرار. لذلك كان لا بد من عرض قراءة موضوعية إلى حدٍ كبير، تمثّل مُراجعة نقدية ومحفزة للجميع على حدٍ سواء. تحاول النظر للعمل الفني من وجهة نظر طائر يحلق من الأعلى ليرى الصورة بكاملها بعين وعدسة واسعة جداً.


مسلسل فاتن أمل حربي من الناحية الفنية

المسلسل من الناحية الفنية جميل، لو افترضنا أن أحدًا ما لا يحب العمل ولا أبطاله ولا مؤلفه، من ضياع الفرص أن يحرم نفسه من مشاهدة عمل فني مميز مثله. فحتى لو أراد المشاهد أن يكتم الصوت ولا يعرف مضمون الكلام والحوارات فإن العمل سيبقى جميلاً، إذ يمكنه أن يشاهده كمقتطفات صامتة بدون فهم لما يجري، إذ سيبقى العمل فنياً وجميلاً.

يتجلى جمال المسلسل في اللون البني الداكن المسيطر على جميع المشاهد، حيث تبدو البطلة تونة شاحبة الوجه، شاحبة في خلفية الأماكن، شاحبة في المحكمة، في الدوام الرسمي.. ينعكس هذا الشحوب على نفسية المشاهد ليولّد لديه شعورًا بالوهن والانكماش خالقاً حالة من الغصة الداخلية.

إضافةً لذلك فإن حركة الكاميرا والموسيقى التصويرية الناعمة أضافت عذوبة على مشاهد المسلسل.. فالعمل قطعة فنية باهرة على الأقل للأذن والعين وحواس الإنسان بغض النظر عن القصة والفكرة العامة التي يناقشها.


في إبداع شخصية البطل البغيض


شريف-سلامة

قد ترقى هذه الفكرة لمرتبة قاعدة سينمائية وفنية عامة.. وهي أن البطل والبطلة بمجرد أن يلعبوا دور شخصية ما كريهة، وأنت بدورك كمشاهد قد كرهتها ونبذتها فعلاً، فاعلم أن الممثل قد وصل لمرتبة عُليا في الفن وتقمص الدور، وأعتقد أن هذا ما حدث للممثل شريف سلامة عندما لعب شخصية "سيف" التي كرهها الجميع تقريباً وبدون أي تردد.

تتمتع شخصية سيف بالكثير من المساوئ والعيوب، إلا أن أبرزها حب الإخضاع بشكل عام، فمن خلال الحوارات العديدة التي يجريها المؤلف على لسانه، يبدو أنه يريد إخضاع تونة من باب إذلالها لا أكثر، وحرصه الشديد على عدم كسرها لكلمته، إضافةً طبعاً لبقية الصفات السيئة كالبخل والبطالة وممارسته الضرب المبرح لزوجته المسكينة أمام الأولاد، إلا أن الصفة الرئيسية البارزة عنده هي حُب الإخضاع والإذلال.

وقد صدق أرسطو المعلّم الأول عندما قال قديماً: "إن الطاغية هو الإنسان الذي يريد إخضاع الآخرين، في الوقت نفسه هو عاجز عن إخضاع وضبط نفسه".


آراء داعمة لمسلسل فاتن أمل حربي

تتمحور هذه الآراء في الغالب حول شخصية كاتب المسلسل إبراهيم عيسى والجدل الذي يجلبه في كل عمل ينجزه، بالإضافة للشخصية التي تلعبها نيللي كريم نفسها وهي تونة أو فاتن صاحبة الأمل الحربي في الدفاع عن حقها في حضانة الأطفال والاهتمام بهم وضمان مستقبلهم في ظل زوجها الإمعة الذي يحاول إخضاعها بغية إذلالها لا أكثر دون النظر لما يريده الأطفال وما يفعلونه ويرغبون به.

خصوصاً أنه قال في أحد المشاهد أنه يريد إرجاعها كي تعتذر، ومن ثم سيطلقها مرة ثانية! أي أننا أمام شخصية بغيضة ظالمة بشعة إلى أقصى حد، وهذا ما جعل الكثيرين يدعمون المسلسل ويوافقون على سرديته وفكرته العامة.


آراء نقدية لمسلسل فاتن أمل الحربي

هناك عدة نواحي يمكن من خلالها نقد المسلسل، أبرزها التوسل العاطفي الذي تلعبه شخصية تونة في موضوع قد لا يكون عاطفياً، أو قد يتغير بكامله عندما نبدّل المعطيات المتواجدة فيه. فمثلاً لو تخيلنا المسلسل على الطريقة التالية:

تونة تطلب الطلاق، فيطلقها زوجها سيف بكل احترام ويدفع النفقة. هنا ينتهي كل شيء! كل المشاهد المترتبة على هذه الحادثة تُحذف لأن الفكرة الأساسية قد تحققت، إلا أن سردية المسلسل تدور في فلك التوسل بعاطفة المشاهد ومحاولة إثارته شعورياً.

فلو كانت شخصية سيف محترمة وطلقت تونة بكل احترام، حينها مثلاً ستذهب تونة للمحكمة كي تطالب بحقها في حضانة الأولاد بعد أن تتزوج، لكن هنا سيكون المشاهد شاحبًا تماماً -بدون مشاعر عاطفية مناصرة لتونة- ولن تجد أحداً ما يتضامن معها، لأن زوجها سيف في شخصيته الجديدة شخص جيد ومحترم، إذ طلق تونة بكل هدوء.

الفكرة أن هناك نوع من التضمين والتلغيم والتوسل بعاطفة المتابع من خلال خلق شخصية بغيضة جداً كسيف، وهنا نطرح سؤالاً حساساً: لو كان سيف جيدًا ومحترمًا -لنتخيل أن سيف هو الأستاذ سلامة- هل ستجد نفسك تتضامن مع تونة؟ في غالب الأحوال الإجابة هي لا، لأن الأمر قائم على التوسل بالعاطفة عند المشاهد.

ما أثار حفيظة الناس في هذا الصدد هو الكاتب إبراهيم عيسى، وهذا بشكل عام نقد هش إلى حد كبير لأن الهدف من الأعمال الفنية والدراما بشكل عام يعتمد على قاعدة العرض والطلب الاقتصادية، فمن الطبيعي أن أحدًا ما لن يكتب عملًا فنيًا لا يثير حفيظة الناس ويساهم في إشاعة الجدل! لأنه حينها سيكون فاشلًا وفق قانون العرض والطلب.

ربما باستثناء الأعمال الكوميدية -ومن المعروف في الوسط الفني أن الأعمال الكوميدية أعمال رديئة في غالبها لأنها لا تقدم قيمة حقيقية سوى الترفيه، ولهذا لا نجد جوائز أوسكار أو ما يشاكلها تذهب لأعمال كوميدية لأنها أساساً لا تعتبر فناً إنما مجرد ترفيه- فالهدف من الدراما الحقيقية هو تسليط الضوء على المناطق الحرجة، "فن ما يطلبه الجمهور" الشعبوي ليس فناً لأنه باختصار شديد يحدث في أرض الواقع. إن أردت أن ترى الحالات السائدة فانزل إلى الشارع وتبصّر أحوال الناس، لا داعي لعمل فني حتى ترى أشياء عادية! من الطبيعي حينها أن يكون الفن مرآة للحالات الحرجة التي تحتاج أحدًا ما يثير الجدل حولها.

تسليط الضوء على النقاط الحساسة هي وظيفة الفن، ولعل هذا ما فعلته سمكة التونة العنيدة فاتن في هذا العمل.


هل تنجح فاتن وأملها الحربي في هزيمة قرش الظلم الاجتماعي؟

من الواضح في كثير من المشاهد أن تونة حنونة وهي العنصر صاحب البعد الأخلاقي الأكبر في المسلسل بكامله، ومن الواضح أنها لا تضمر حقداً أو بغضاً كبيراً تجاه سيف بقدر ما تكرهه لأنه أساء معاملة الأطفال وشحّ في الصَرف عليهم، فشخصية سيف بغيضة إلى حد كبير، إلا أن المؤلف لا يريد أن يجعل تونة حاقدة وسيئة بقدر ما يريد أن يجعلها مكافحة في سبيل العدالة والإنصاف، وحقها في نيل أطفالها، ولهذا نجدها أيضاً لا تحرض أطفالها ضد والدهم بل على العكس تماماً.

ذو صلة

كتوقع شخصي، قد تكون نهاية المسلسل هي الصلح بالفعل. لكن طبعاً بعد أن يتم مسح الأرض بشخصية سيف و"نتف ريشه" وتغييره بالكامل. لا أعتقد أن نهاية أخرى ستكون أفضل من هذه، إذ غالباً في النهاية يأتي معتذراً بعد أن يتغير نتيجة ظرف أو حدث ما -ربما موت والدته- ليدرك حينها أنهُ كان سيئاً، وأن إبعاد الأولاد عن أمهم لا يقل وجعاً عن إبعاده عن أمه - إن ماتت طبعاً- وتبقى تونه هي الطرف الأكثر أخلاقاً والساعية وراء العائلة السعيدة لا الانتقام والكره.

كما أن الهدف من المسلسل هو تسليط الضوء على موضوع الأحوال الشخصية، ولا نستغرب كثيراً إن كانت نهاية المسلسل دون حدوث تغيير في القانون وخسارة القضية، إذ إن الفكرة منذ البداية هي تسليط الضوء عليه وخلق وسط شعبي فاهمٍ لما يجري، وأحياناً مُقاوم لهُ، لكن دون وضع خارطة طريق ومسار حقيقي لفعل تغيير ملموس.
في النهاية.. المسلسل جميل كقيمة فنية، جميل كإخراج وموسيقى تصويرية وديكور، جميل في انتقاء ممثلين أجادوا أدوارهم ببراعة ودقة. لهذا نحن أمام عمل مُتكامل فنياً ستحرم نفسك فرصة كبيرة إن لم تتابعه أو تعرّج عليه قليلاً.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة