مسلسل Freud .. مسرحية هزلية بطلها الملل!
5 د
مسلسل Freud هو أحد أكثر المسلسلات التي كانت مُنتظرة بالفترة الأخيرة. وهذا ظهر بشدة في اليوم الذي صدر فيه على منصة نتفليكس لأول مرة، فجأة بات واحدًا من الأعمال الأكثر مشاهدة، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط. الحملة الدعائية له كانت قوية، والعرض التشويقي كان مُتقنًا. أنا شخصيًّا توقعت أنني سأقضي ساعات من النشوة الفنية مع هذا المسلسل. لكن الذي حدث؟ سأحكي لكم الذي حدث.
اليوم سوف نتحدث عن مسلسل Freud من إنتاج نتفليكس، والذي خاب أملي فيه للغاية. سنتناول الأمر بمنطقية قدر المُستطاع، دون التحامل على العمل ككل.
نتفليكس تدعوك أنت وأصدقائك لمُشاهدة جماعية لأفلامها عبر أداة Netflix Party الجديدة
* المراجعة خالية من الحرق تمامًا *
القصة
المسلسل من الأعمال الفنية التي تنمي إلى شريحة السيرة غير الذاتية. مسلسل Freud بالطبع من اسمه، يتحدث عن حياة عالم النفس النمساوي الراحل سيجموند فرويد. لكنه لا يحاول تسليط الضوء على حياته بأكملها، بكل كبيرة وصغيرة فيها، بل يتعامل مع حياته كمحطات، أخذ منها المحطة الأولى فقط، وسردها في حلقات طويلة.
تبدأ القصة مع شخصية الطبيب النفسي Freud الذي يعمل في مشفى وطني، وبنفس الوقت يحاول تطوير التنويم المغناطيسي باستخدام ساعة تميل يمينًا ويسارًا، غير معتمد على أسلوب التنويم المعتاد، عن طرق اللمس. وليس هذا فحسب، أيضًا يعاني في إقناع الوسط العلمي أن هناك مكان مظلم بالعقل يُدعي (اللاوعي)، وفيه تُخزن كل المعلومات التي لا نريد أن تصل لحيّز التحليل الآني (الوعي).
في خضم ذلك، تدور أحداث صعبة وشديدة في الحياة السياسية للدولة، لتترتب عليها جرائم قتل غير مفسرة، ويساهم البطل في الوصول لحلها بشكلٍ أو بآخر. هل سيستطيع فرويد إقناع أهل علم النفس بنظريته الغريبة في ظل ما كل يحدث؟ هذا ما ستعرفوه عند مشاهدة مسلسل Freud على منصة نتفليكس.
والجدير بالذكر أن قصة المسلسل غير حقيقية بالمرة. أجل، تحتوي على بعض الشخصيات الحقيقية مثل فرويد نفسه بالطبع، إلا أنها خيالية. لم يكن فرويد مهووسًا بحل الجرائم بمنظور نفسي مثلًا، ولم ينخرط أيضًا في أمور كتلك التي تم سردها في أحداث المسلسل، على الإطلاق.
ما هي سقطات مسلسل Freud التي لا تُغتفر؟
1- المشاهد لا تحتوي على عناصر جذب كافية
تخيل مني أنك الآن تقف أمام باب مديرك في العمل، وتريد أن تدخل كي تطلب زيادة في الراتب. بداية المشهد تكون في وقوفك، ونهاية المشهد تكون في طلبك للزيادة المرجوَّة. في العادة النهاية المنتظرة تكون هي السبب الذي يدفع المُشاهد للمتابعة، لكن كي يلا يُغلق التلفاز وينام، يجب وضع مشاهد صُغرى بداخل المشهد الكبير. بالنسبة لمثال صديقنا الذي يريد الزيادة، المشاهد الصُغرى تتمثل في نقره على الباب، ثم عدم الاستجابة، ثم نقره مرة أخرى والدخول عنوة، ثم طرد المدير له، ثم طلب الزيادة من الخارج، ثم طرده تمامًا من العمل.
المشاهد الصُغرى تلك تتكون من بداية ونهاية كذلك، ونهاية كل مشهد صغير تدفع المُشاهد لاستقبال بداية الذي يليه، حتى نصل إلى نهاية المشهد الكبير، والتي فعلًا تختتم الجزء الفلاني من القصة. ومع تكرار الأمر في مشهد كبير تلو الآخر، تكون الحلقات جذّابة، وكافية لجعل المُشاهد يستمر في متابعة العمل ككل. للأسف فشل مسلسل Freud بهذا الصدد، قدم المشاهد الكُبرى فقط، دون وجود مشاهد صُغرى بداخلها تجعلني أطمح لاستكمال الحلقة. مما جعلني في النهاية أقفز من مشهد لآخر، بدون وجود أدنى اهتمام بظهور أي حدث مهم في المنتصف.
2- القصة نفسها ذات تصاعد بطيء جدًا
من المُحزن فعلًا أن تكون توقعاتك عالية، ثم تتهشم على صخرة صمّاء فجأة. كنت أتوقع الكثير والكثير من مسلسل Freud فعلًا، لكنه خيَّب ظني تمامًا. كان يمكن للقصة أن تصبح عظيمة بحق إذا تناولت فرويد وحياته بواقعية، عبر جلب شخصيات حقيقية من حياته، وتجسيد تأثيرها عليه، أمامنا بالشاشة. إدخال قصة خيالية مع شخصية واقعية، نتج عنه عمل فني هزيل للغاية، ولشديد الأسف.
إذا كانت القصة واقعية بالكامل، على أقل تقدير لاستطاع مؤلف العمل الوصول لموارد ومعلومات تسمح له بالتحوير في مسار الأحداث الحقيقية قليلًا، حتى يُعطي للقصة حيويتها المنشودة. لكن يبدو أن الذي حدث هو أنه ترك الواقع تمامًا، واعتمد على خلق قصة خيالية بنسبة 90%. أنا لا أعيب هذا، لكن لا تخلق عالمًا خياليًّا، أنت غير قادر على جعله مثيرًا بالقدر المطلوب.
السبب الحقيقي لفشل القصة هو عدم تركيزها على شخصية فرويد. ذلك العالم الذي سُمي المسلسل تيمنًا به في الأساس، لم يكن محور الأحداث على الصعيد الشخصي أبدًا. الأحداث كلها تدور حول شخصيات أخرى، والتي ردود أفعالها تُسبب مجموعة نتائج، بدورها تؤثر على حياة فرويد بشكلٍ أو بآخر. لكن ذلك التأثير سطحي للغاية، لم أستطع لمس الجانب النفسي لـ (عالم النفس) على الإطلاق. الأمر مُحزن فعلًا، أردت عملًا قويًّا، أنا مُستاء!
الشخصيات
شخصيات مسلسل Freud (وعلى عكس شخصية البطل)، جيدة في الواقع. أجل هي سطحية، وتأثيرها على بعضها البعض ليس كافيًا لدفع القصة للأمام سريعًا، إلا أنها مبنية بشكلٍ جيد. دوافعها تتناسب مع ردود أفعالها، وأغلب الشخصيات الثانوية لها تاريخ يتم الكشف عنه بالتدريج مع مرور الحلقات.
إلا أن شخصية فرويد نفسها ضعيفة للغاية. الشخصية لها بناء تاريخي، وهذا أشهد به، لكن هذا لا يكفي لصنع شخصية قوية. يجب التركيز على الجانب النفسي لها، والذي تُبنى عليه ردود الأفعال، هذا لم يحدث مع فرويد على الإطلاق. الشيء الذي يدعو للسخرية فعلًا، هو أن المسلسل الذي يُجسد شخصية عالم نفس، لا يتحدث عن الجانب (النفسي) له أبدًا. تسطيح الفكرة وإغراقها في الخيال، أبعد المؤلف تمامًا عن الاهتمام بالبطل نفسه، البطل الذي تحمست للمسلسل من أجله في الأساس.
التمثيل
بالضبط كحال الشخصيات، التمثيل الخاص بالشخصيات الثانوية، أفضل بمراحل من التمثيل الخاص بشخصية البطل نفسه. فرويد ظهر كشخص غارق في التأمل غير المنطقيّ 24/7، شخص لا يتفاعل إلا بطريقة سطحية للغاية، بطريقة تفاجئية مصطنعة بشكلٍ فجّ. في عشرات المشاهد، قلت لنفسي ألف مرة ومرة: «لماذا يتحدث Robert Finster (صاحب شخصية فرويد) هكذا؟ لما أشعر أنه يكافح لإخراج الكلمات والمشاعر؟ لماذا لا أرى أداء نتفليكس الممتاز الذي اعتدت عليه؟».
الإخراج
الإخراج متوسط الجودة بدرجة كبيرة، إلا في بعض المشاهد القليلة جدًا خلال أحداث المسلسل ككل. اعتمد الإخراج في المُجمل على المشاهد الداخلية، وفي بعض المشاهد بعينها، استطاع المخرج استغلال الظلال والإضاءة لصالحة بطريقة جيدة، وهذه نقطة تحسب لمسلسل Freud بالطبع.
الموسيقى
ربما الموسيقى هي الشيء الوحيد الجيد في هذا العمل فعلًا، أراها فوق المتوسطة. وأفضل مقطوعة موسيقية بالنسبة لي هي Siren Call.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.