فيلم The Big Sick قدم الرومانسية الكوميدية كما يجب أن تكون

فيلم The Big Sick قدم لمشاهديه وجبةً ممتعةً ودسمةً من الكوميديا والرومانسية، الاغتراب واختلاف الثقافات، المرض والتعافي وحب العائلة، ليصبح واحدًا من أفضل أفلام 2017، وأفضل فيلم مستقل هذا العام حتى الآن، وأعلاها إيرادًا أيضًا ويحطم كل التوقعات المسبقة عنه.

منذ أعوام ونحن نفتقد الأفلام الكوميدية الرومانسية الجيدة، كما لو أنّ عصر الأفلام الرومانسية الخفيفة انتهى في بدايات الألفية الثالثة، وفيلم The Big Sick قدم هذا التنصيف كما يجب أن يكون، جرعات رائعة من الرومانسية، مع لمسات كوميدية بسيطة أتت في محلها دون إقحام يخل بالقصة الرئيسية.

فيلم The Big Sick فيلم أمريكي من إنتاج 2017 يقع تحت تصنيفات الدراما والرومانسية والكوميديا من إخراج مايكل شوالتر، واشترك في كتابته كل من إيميلي في. جوردان، وكيميل نانجياني – بطل الفيلم -، وهو من بطولة نانجياني وزوي كازان، وهولي هانتر وراي رومانو، والممثل البريطاني الباكستاني أديل اختار، والهندي أنوبام خير.

وتم عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان صندانس السينمائي في يناير هذا العام، ثم بدأ عرضه بصورة محدودة في يونيو، ليتم عرضه تجاريًا حول العالم منذ يوليو السابق، وتلقى مراجعات إيجابية ليعتبره الكثير من النقاد واحدًا من أفضل أفلام 2017، وبميزانية محدودة بلغت 5 مليون دولار حقق إيرادات تعدت الـ 50 مليون، ويصبح واحدًا من أعلى الأفلام المستقلة إيرادًا هذا العام.

وقد حصل على تقييم 98% على موقع Rotten Tomatoes بناءً على 219 تقييم بمتوسط 8.2/10، وتم اعتبار الفيلم رقم 1 في صيف 2017.

نتعرف في بداية الفيلم على كيميل الذي يعمل سائق لشركة أوبر، ويمضي لياليه في العمل ككوميدي Standup comedian بإحدى النوادي، وهو باكستاني أمريكي هاجر والداه في طفولته، ويمثل إلى حد كبير إحباط لهما، فهو لم يصبح طبيبًا ولا محاميًا، ولم يتبع حتى الآن التقليد السائد بالزواج المرتب من باكستانية مهاجرة مثله، وتمثل اللقاءات الأسبوعية حول العشاء بالنسبة له النقد تلو الآخر، سواءً على ذقنه التي لا يطلقها، أو على عدم التزامه بالصلاة، أو عدم إكماله تعليمه.

كيميل يعيش حياة مزدوجة بين معايير عائلته وقواعدها الصارمة، وبين الحياة الأمريكية التي تربى بين جنباتها، ويشعر بالضياع الثقافي مابينهما، يحاول الحفاظ على توازنه قدر الإمكان، ولكن كل ذلك يتغير عدما يقابل إيملي طالبة علم النفس الأمريكية البيضاء، والتي يبدأ معها علاقة يعلم من داخله أنّها لن تنتهي لشيء جدي للأسباب السابقة.

تتطور العلاقة بينهما بسلاسة حتى تعلم إيملي عن طريق الصدفة عن العرائس التي تحضرهم والدته له بصورة أسبوعية، وإنّه مقدر له الزواج من باكستانية في يوم من الأيام، وليس لعلاقتهما مستقبل، فينفصلا بصورة مؤسفة.

بعد أيام قليلة يصله اتصال من صديقة إيملي المقربة، تخبره أنّها مريضة بالأنفلونزا في المشفى، ويجب أن تذهب هي لعملها، وتطلب منه فقط أن يبقى معها لساعات قليلة، فيتوجه بالفعل، ولكن بعدما يصل يجد أن حالتها تتطور سريعًا، ويطلب منه الأطباء التوقيع موافقة بوضعها في غيبوبة صناعية حتى يستطيعوا معرفة سبب تردي حالتها السريع وتشخيص مرضها، وهو ما يفعله ثم يتصل بوالديها.

من هنا يبدأ الجزء الأهم في الفيلم، فعلى الرغم من أهمية التقديم الرومانسي للعلاقة بين كميل وإيملي، إلّا أنّ أجمل ما في الأحداث هو ما بعد دخول الأخيرة في الغيبوبة، والتفاعل الذي سيحدث بين والديها وكيميل الصديق السابق الذي كسر قلبها قبل مرضها.

فيلم The Big Sick مبني على قصة حقيقية، ولكن هناك بالطبع بعض الاختلافات حدثت خلال التحويل لعمل سينمائي، منها الجزء الخاص بانفصالهما قبل وقوعها في الغيبوبة، وبعض التفاصيل المتعلقة بوالدي إيملي الحقيقين، لكن غير ذلك التزم الفيلم بتقديم القصة الحقيقية لكل من بطليه، وهناك تطابق بين والدي كيميل في الفيلم والأصليين، بل أنّ والده الحقيقي هو من اختار الممثل أنوبام خير لتقديم دوره.

قصة الفيلم كما قلت سابقًا مبنية على أحداث حقيقية ربما تلك مزية كبرى فقد كانت صادقة وحساسة، وأحسن كل من كيميل وأيملي تحويلها إلى نص سينمائي محكم، واختارا ما يضيفوه بحكمة ليزيد من التماسك والإثارة بدون أن يخلوا بالبناء الأساسي للحكاية.

لا يمكن أن تسقط قصة الفيلم وتفاصيلها من ذاكرتك بعد انتهائه، وستجعلك تؤمن مرة أخرى بالحب الذين يجمع الشتيتين، ويتغلب على الاختلافات الثقافية والعرقية، بل الموت والمرض كذلك.

واحدة من أهم نقاط القوة في الفيلم هو التمثيل الرائع من كل أبطاله:

كيميل نانجياني: قدم كيميل دوره في الحقيقة، ولكن لذلك لا يعني أنّ عمله كان سهلًا، فليس معنى أنّه عاش هذه الحقائق من عشر سنوات أنّه يجب أن يقدمها بهذه الصورة الصادقة، فأداءه رغم بساطته كان بناءً على مجهود وتركيز وموهبة لا يمكن إنكارها في صنع التوازن بين الكوميديا والرومانسية والدراما التي يستلزمها دوره.

زوي كازان: قدمت زوي كازان دور إيملي، وعلى الرغم من أنّ نصف الفيلم تقريبًا كانت في غيبوبة، إلّا أنّ مشاهدها كانت صادقةً وقويةً، وقد تقابلت عدة مرات مع إيملي الحقيقية حتى تستطيع تقديمها بهذه الصورة على الشاشة.

راي رومانو: لم أشاهد راي رومانو في أعمال منذ مسلسله الشهير Every Body Love Raymond  لذلك وجوده في هذا الفيلم كانت مفاجأة مبهجة بحق، خاصةً مع الأداء المميز له في دور الأب تيري، الذي يحتار بين مشاعر الخوف اتجاه ابنته، ورغبته في استيعاب مشاعر زوجته الهلعة، وعلاقة الصداقة الجديدة التي تنمو بينه وبين كيميل.

هذا بالإضافة للأداء الممتاز الذي أضفى على الفيلم جانب كوميدي من كل من أديل اختار وأنوبام خير.

في النهاية فيلم The Big Sickيستحق المشاهدة بالفعل، وأعتبره من أفضل أفلام 2017 التي شاهدتها حتى الآن، أعادني مرة أخرى لذكريات الأفلام الرومانسية الكوميدية، واستمتعت معه على مدار ساعتين فلا تفوتوه.