هل نشاهد نفس الفيلم كل مرة؟ قوالب يتم استخدامها بكثرة في الأفلام العربية

فن السينما كغيره من الفنون يعتمد بشكل أساسي على القصة والتي بدورها تعتمد على نظم الرواية المختلفة وهيكل الرواية الأدبي وكثيرٌ من الأعمال يعتمد على بعض القوالب الأدبية، فعلى سبيل المثال النمط التقليدي للقصة يتكون من بداية ووسط (صراع) ونهاية (ختام) أو ما يعرف بالمشهد الأول والثاني والثالث ونظراً لهذا التركيب التقليدي للقصة لجأ الكثير من المؤلفين لاختراع قوالب ثابتة يسهل استخدامها لكتابة القصة وتلك القوالب تعرف بأسم (Trope) المقتبسة من الكلمة اليونانية tropos.

أغلب القصص الأدبية تبدأ بما يعرف بالحدث الأولي أو الحدث المسبب وهو الفعل الذي يقع في أول العمل أدبياً كان أو سينمائياً وهذا الفعل يؤدي إلى عواقب والتي تؤدي إلى أحداث، وهذه الأحداث تؤدي لصراع ثم لختام الصراع.

هذا الحدث في حد ذاته ليس القالب المقصود ولكنه يؤدي للعديد منها فعلى سبيل المثال في أفلام الجواسيس دائماً يكون الحدث المسبب هو المهمة فما أن يتلقى الجاسوس المهمة الموكلة إليه تبدأ القصة وتتبع هذه القصة القوالب الخاصة بقصص الجواسيس كمشهد استعراض أسلحة المهمة ومشهد معطيات المهمة ثم ننتقل للصراع وفي الصراع نشاهد قالباً آخر مثل القتال الأول بين الجاسوس وأحد مساعدي الشرير، وقد يترتب على هذا القتال اكتشاف الخطة الخاصة بالشرير والتي تعتبر “حبكة” القصة وفي نهاية القصة نصل إلى قالب آخر مثل استعراض مقر الشرير ومشهد المونولوج الخاص به لاستعراض أسبابه الخاصة مما يؤدي للمواجهة الأخيرة للبطل ضد الشرير وبعدها تنتهي القصة.

ومنه يمكننا القول بأن الترتيب الخاص بهذه القوالب يتحكم بشكل كبير في أحداث القصة.

بعض القوالب قد يكون رتيباً ومكرراً بشكل كبير لكن براعة الكاتب قد تؤدي إلى تجديد استخدام بعض هذه القوالب وبالتالي تقديم ناتج مميز ومختلف.

القوالب في حد ذاتها ليست دليلاً على كسل الكاتب أو عدم براعته وفي هذا المقال سنستعرض خمسة قوالب تم استخدامها بكثرة في الأفلام العربية المصرية وكيف خدمت القصة وأثرت عليها.

يتم استخدام هذا القالب بكثرة في أفلام الأكشن التي تتحدث عن مجموعة من اللصوص سواء كان البطل أحد اللصوص أو كان البطل من الشرطة ومهمته القبض على هؤلاء اللصوص.

في هذا القالب لا بد من وجود عصابة كبيرة أو زعيم عصابة أو مافيا او أي شكل من اشكال الجريمة المنظمة فعلى سبيل المثال في فيلم أولاد رزق الجزء الأول نلاحظ وجود المعلم صقر الذي قام بدوره الممثل سيد رجب وهو تاجر المخدرات الذي يجبر الأبطال على القيام بمهمة من أجله وهذه المهمة تقود لحبكة الفيلم، وأهمية هذا القالب هو ما يقدمه زعيم العصابة من تهديد لأبطال وخدمة لبعض مشاهد العنف والدموية وقد يجبر أيضاً الأبطال على العودة لعالم الجريمة، العصابة أو أي شكل من أشكال الجريمة المنظمة يقود المشاهدين إلى التعرف أكثر على عالم الجريمة ومكوناته وأعرافه مما يسهل على المشاهدين تخيل عمق العالم الخاص بالفيلم ومعرفتهم لحجم الخطر المحدق بأبطال الفيلم، مما يساعد المشاهدين على الاندماج أكثر مع الفيلم والتعاطف مع الشخصيات.

من أشهر القوالب التي استعملت في الأفلام المصرية منذ بدايتها و إلى يومنا هذا، في هذا القالب يوجد لدينا شخصين متشابهين في الشكل وقد يكونا نسخة طبق الأصل ولكن كل منهما يعيش في عالم مختلف ولسبب ما يتم التبادل فيما بينهما أو يتم الاستعانة بأحدهم ليحل محل الآخر، في بداية استخدام القالب وخصوصاً في فترة ما يعرف بالزمن الجميل لسينما المصرية كان بطل الفيلم من الطبقة الكادحة أو  الفقيرة بينما يكون الشبيه أو التوأم من الطبقة الثرية أو حتى طبقة النبلاء.

مثال فيلم سلامة في خير وفيه نجيب الريحاني “سلامة” يقوم بدور الموظف الفقير “الغلبان” الذي تبادل مع أمير بحيث يعيش الأمير الحياة المتواضعة بعيداً عن زهو السلطة فيما يتمتع سلامة الفقير برفه وترف الأمارة، وسبب استخدام هذا القالب هو تقديم العالمين المختلفين للمشاهدين وشرح مدى تناقضهما أو تشابههما عن طريق تفاعل شخصيات الفيلم مع المواقف التي يقعون فيها، وفي بعض الأحيان يتم استخدام هذا لتقديم عبرة أو عظة للمشاهدين مثل الرضا بالقدر مثلاً أو تفضيل حب الناس على الثروة المادية.

وهناك نوع آخر من هذا القالب فقد يقع التبادل بين شخصين أحدهما بريء و الآخر مجرم مثال: فيلم فؤاد المهندس “أخطر رجل في العالم” والذي يتم التبادل بين زكي موظف المطار البريء عديم الخبرة بأخطر المجرمين في العالم مستر أكس، وقد تم استخدام هذا لأغراض كوميدية عن طريق وضع شخصية زكي في مواقف كوميدية مع العصابة الإجرامية والغرض من هذا تقديم العالم الإجرامي للمشاهدين بشكل فكاهي وكوميدي وتحويل صورة البطل من الشخصية الضعيفة عديمة الحيلة إلى الشخصية القوية القادرة على مواكبة المجرمين، وهو نفس القالب الذي تم استخدامه حديثاً في فيلم أحمد مكي لا تراجع ولا استسلام مع إضافة بعض القوالب الكوميدية الحديثة للقصة.

يتم تقديم حبيبين متناقضين في الفيلم ودائما الشجار والعراك وقد يكون هذا في إطار كوميدي أو إطار درامي حسب حبكة القصة وقد تم تحوير هذا القالب ووضعه في إطار رومانسي ويتم استخدامه بكثرة في أفلام الرومانسية الكوميدية، أما إن تم استخدامه في إطار درامي يتم إضافة فوارق أكبر بين البطلين فقد يكون البطل من الطبقة الثرية والبطلة من الطبقة الفقيرة.

وقد يكون هذا الخلاف ليتم بناء التناغم والانجذاب وزيادة الاحتكاك بين البطلين الذي يؤدي في نهاية الفيلم إلى علاقة حب، والغرض هنا تعريف المشاهدين على كفاح أبطال الفيلم وزيادة تقدير المشاهدين لهم وزيادة الاهتمام الشخصي بعلاقة أبطال الفيلم بالإضافة لتقديم عبرة أو عظة وقدرة الحب على التغلب على أي عقبات أو أنه ليس من الضرورة أن يكون الحبيبان متوافقان في كل شيء.

استثمر وقتك داخل العزل المنزلي بمجموعة من أهم الأفلام الإيرانية في الألفية الجديدة

كثير من الأفلام تبدأ ببطل وحيد ولسبب ما يتم دفع البطل للقيام برحلة بغرض الانتقام أو توصيل رسالة أو الالتقاء بشخص مهم وفي خلال هذه الرحلة يقابل البطل العديد من الشخصيات المتنوعة والمختلفة وأشهر الأمثلة على هذا القالب هو فيلم شمس الزناتي المقتبس من الفيلم الأميريكي السبعة الرائعون (The Magnificent Seven)‏ والذي اقتبس من الفيلم الياباني الشهير الساموراي السبعة.

ويبدأ الفيلم باستعانة عتمان شيخ القبيلة بزناتي الذي يقوم برحلة لتجميع عدد من الرجال ليساعدوه في مهمة تخليص القرية من المارشال برعي شرير الفيلم وبالطبع يتم تقديم سبع شخصيات متميزة يختلف كل منها عن الآخر ويقوم كل منهم بتقديم دور معين ويساعد هذا على كسر الرتابة في إيقاع القصة عبر تقديم كل شخصية ثم تجميع هذه الشخصيات المختلفة ووضعها في مواجهة خطر واحد وتقديم العلاقات الديناميكية بين الشخصيات بعضها البعض، مما يسهم في زيادة تقدم القصة وتسريع الأحداث في نفس الوقت دون تعريض المشاهدين لأي نوع من الملل نظراً لتنوع الشخصيات واختلاف قصة وأهداف كل منهم وقد تم استخدام هذا القالب في الكثير من الأفلام العربية وآخرها فيلم “حملة فرعون”.

قد يقع بعض المؤلفين في مشكلة لدى كتابتهم القصة حين يكون بطل القصة شخص شريف وملتزم بأعراف المجتمع لكن في نفس الوقت يتوجب عليه القيام بعمل إجرامي أو مخالف لهذه الأعراف وهنا يلجأ المؤلف لهذا القالب تحديداً.

حيث يقدم المؤلف قصة خلفية للبطل يجعل البطل فيها مثيراً للشفقة والتعاطف لجذب تعاطف المشاهدين ثم يقوم بزيادة إما الضغوط الإجتماعية والأسرية أو الضغوط المالية وأحياناً يقوم بوضع البطل في مشكلة ليست من صنع البطل كتعرضه لظلم اجتماعي أو سياسي مما يبرر للبطل انحرافه عن الأعراف الأجتماعية أو قيامه بهذا العمل وهذا القالب يقدم مبرراً أخلاقياً للقيام بعمل غير أخلاقي مثل سرقة بنك لإنقاذ حياة شخصية عزيزة على البطل أو مساعدة مسجون مظلوم على الهرب من السجن أو إعادة الحق إلى أصحابه.

أو قد يكون لغرض مادي بحت ليس له أي مبرر أخلاقي ويتم استخدام هذا كثيراً في إطار كوميدي وقد يكون بطل القصة مجرماً سابقاً وقد تاب عن السرقة وهنا يتم استخدام هذا القالب لإعطاء مبرر للشخصية للعودة إلى حياة الجريمة دون تحويل الشخصية لشخصية شريرة والحفاظ على احترام المشاهدين وتعاطفهم مع البطل وقد يتم استخدامه أيضاً كمبرر لانتقام، وهنا يتم تحويل الفيلم من فيلم درامي أو كوميدي إلى  فيلم أكشن مما يساعد على سهولة انتقال القصة من تصنيف لتصنيف آخر دون فقدان القصة أياً من عناصرها المهمة، وهناك الكثير من الأمثلة الحديثة والقديمة لاستخدام هذا القالب مثل فيلم أولاد رزق، فيلم بنك الحظ، فيلم طلق صناعي، فيلم احترس من الخط، سلام يا صاحبي، حنفي الأبهة.

وفي النهاية لا بد من توضيح أن القوالب تختلف عن الكليشهات (cliché) حيث يخدم كل منهما ضرورة أدبية أو روائية، وتكرار هذه العناصر الأدبية لا يعني بالضرورة الإفلاس الفكري أو الإبتذال، فالحكم عن كون العنصر الأدبي مبتذلاً يعود بالأساس على تطبيق العمل الأدبي نفسه فكما سبق ووضحنا يوجد العديد من الأوجه لاستخدام نفس القالب والهدف منها تسهيل عمل المؤلف، لذا ففي النهاية الأمر عائد لمؤلف إما أن يستخدمها بطريقة جديدة ومميزة لإضافة عناصر معينة لحبكة القصة أو يقوم المؤلف بالاستسهال وإعادة تدوير هذا القوالب المستخدمة في أعمال أفضل جودة، وعندها يكون العمل الناتج مجرد تقليد لعمل أكثر نجاحاً ويكون بذلك المؤلف قد حكم على العمل أن يعيش في ظل عمل أكثر نجاحاً.

في الجحر الصحي.. أفلام تعيش معها أجواء شم النسيم