I am zlatan، The little comrade، Mitra.. هكذا تدعم السعودية سحر الواقعية بـ “الأفلام الأوروبية”!

منذ فجر البشرية عمد الإنسان إلى ترك ما يدل على أنه وجد وعاش ومات في مكان ما، لقد عمدت كل حضارة نشأت على هذا الكوكب إلى ترك شيء من آثارها كي يعلم الآخرون أنهم كانوا هنا، لهذا ترك البشر خلفهم مئات وآلاف التماثيل والصروح واللوحات بل حتى النقوش البدائية الموسومة على جدران الكهوف كي يقولوا لمن جاء بعدهم، لقد كنا هنا هذه قصصنا التي أنشأها خيالنا وهذا ما رأيناه في حياتنا. 

لم يعد البشر يرسمون على جدران الكهوف كي يحكوا قصصهم لقد وجدوا أساليب أفضل وأنقى وجدوا المسرح ولقرون عمدت كل الحضارات إلى ترك شيء من نفسها في هذا الفن الرائع وتطور المسرح وأصبح تجسيد الحياة يتم عن طريق اختراع غير وجه البشرية هو السينما.

 إن السينما هي استعراض وتسجيل للحياة كما يراها المبدع الواقف خلف الكاميرا لقد أصبحت السينما في القرن الأخير الفن الأرقى والأشهر، إنها اللغة العالمية التي تحكي قصص شعوبها وحياتهم والقادرة أيضاً على استعراض خيالهم الجامح الواسع.

يعتقد البعض بشكل خاطئ أن أميريكا وهوليوود هما مركز السينما، لقد قدمت هوليوود الكثير للفن السابع يستحيل إنكار هذا لكن تركيز الإعلام عليها ظلم فرعاً آخر من السينما ألا وهو السينما الأوروبية.

 تمتلك أوروبا -وعندما نقول أوروبا فإننا لا نعني بريطانيا فقط- رصيداً سينمائياً هائلاً لقد غير المخرجون الأوربيون عالم السينما تغييراً شاملاً وقدموا أعمالاً راقية فلسفية لا مثيل لها ومن أشهر المخرجين الأوروبيين الذين وللأسف لا يعرفهم الكثير الفرنسي الأسطوري كلود ليلوش والجدلي الفرنسي أيضاً جان لوك غودار ولا يمكن أن ننسى أيضاً السويدي صاحب الفيلم الخيالي الأسطوري The Seventh Seal إنغمار بيرغمان. 

لو لم تكن تعرف أو سبق لك أن شاهدت واحداً من أفلامهم فلا يمكن لك أن تطلق على نفسك اسم متابع سينمائي هؤلاء المخرجون إضافة إلى عدد آخر من أساطير الإخراج غيروا وجه سينما العالم السابع قاطبة.

صُدم العالم الكروي منذ بضعة أسابيع بنبأ اعتزال اللاعب نتيجة السويدي صاحب التسديدات الإعجازية واللسان السليط زالاتان ابراهيموڤيتش عن عمر يناهز 41 عاماً بعد إصابة قوية منعته من المشاركة مع فريقه انتر ميلان الايطالي ليقرر السلطان الاعتزال وتوديع جمهوره وفريقه وداعاً عاطفياً مؤثراً دامعاً. 

لم يكن ابراهيموڤيتش لاعباً عادياً لربما لم ينل الاحتفاء العالمي الذي ناله رونالدو وميسي إلا أنه قطعاً واحد من ألمع نجوم المستديرة ونجم من طراز بيليه ومارادونا. 

عام 2021 قدم المخرج يينيس سوجرين وثائقياً مميزاً بعيداً عن الابتذال يقدم نظرة ثاقبة واضحة لتاريخ وحياة السلطان الذي أسر قلوب عشاق كرة القدم حول العالم باسم I am zlatan أنا زلاتان ..

استعرض الفيلم طفولة زالاتان الصعبة وحياته في حي من أحياء الطبقة العاملة الفقيرة في مالمو والذي أنقذته كرة القدم من السقوط في عالم الجريمة لقد كان الفيلم رائعاً وركز على حياة زالاتان خارج الملعب مبتعداً عن الكليشيهات المكررة المعتادة في الوثائقيات الرياضية التي تركز على ما يحدث داخل الملعب كأنما هذا اللاعب لا يمتلك حياة خاصة به.

 يستند الفيلم في أساسه إلى السيرة الذاتية لابراهيموفيتش والتي شارك في تأليفها الكاتب السويدي ديفيد لاجيررانتز لقد عرفنا الفيلم على ابراهيموفيتش الإنسان والحياة الصعبة التي جعلت منه لاعباً مميزاً غاضباً حاداً كأنما أراد أن ينتقم من الحياة عن طريق كرة القدم. 

سيعرض هذا الفيلم الوثائقي حالياً في الدورة الثانية مهرجان European film festival المقام في الرياض المملكة العربية السعودية وهو المهرجان الذي يحتفي بالسينما الأوروبية بتعاون بين الاتحاد الأوروبي وشركة Arabia Pictures Entertainment ويتمد المهرجان من7  إلى 14 يونيو / حزيران الجاري، ذلك بعد النجاح الكبير الذي حققته الدورة الأولى 

وطبعاً لن يكون فيلم I am zalatan الفيلم الوحيد الذي سيعرض ضمن المهرجان إذ أن هناك مجموعة من الأفلام المميزة المتنزه والحاصلة على جوائز هامة في الأعوام الأخيرة وطبعاً جميعها مترجم للغة العربية في محاولة رائعة من المملكة لدعم السينما الأوروبية وتشجيع الشباب العربي عموماً والسعودي خصوصاً لخوض تجربة سينمائية مميزة بمعايير عالمية وإليك أبرز الأفلام التي سيعرضها المهرجان.

يعرض المهرجان في دورته الثانية مجموعة مميزة منتقاة من الأفلام الرائعة المقدمة من كافة أنحاء أوروبا ولعل أكثر ما يميز هذه الأفلام هو كونها أفلاماً مقتبسة من الحياة تبتعد عن الخيال مما سيجعلها تخلد في ذاكرة السينما أعواماً طويلة ومن أبرز الأفلام التي قدمها وسيقدمها المهرجان. 

يتناول الفيلم قضية اللاجئين بطريقة جريئة غير مسبوقة إنه قصة عاطفية واقعية في قسوتها حول التشتت بين وطنين الوطن الذي احتضنك والوطن الذي أُرغمت على تركه. 

يحكي الفيلم قصة روجدة خاني وهي جندية في الجيش الألماني من أصول كردية عراقية تعيش في ألمانيا منذ الطفولة تبدأ روجدة بالبحث عن والدتها فرحات في مخيم اللاجئين باليونان وعندما تجد الاثنتان بعضهما البعض أخيراً بعد سنوات عديدة من الانفصال تشعران بسعادة غامرة، لكن سعادتهما هذه سرعان ما تتلاشى عندما تعلم روجدة أن أختها ديلان لا تزال في العراق وعندما يرن الهاتف تنقلب حياة روجدة رأساً على عقب إذ أن المتصل هو أختها ديلان التي تخبرها أنها تقاتل داعش في صفوف الجيش الكردي

تقرر روجدة طلب إعادة الانتشار في أربيل في العراق حتى تتمكن من العثور على أختها وبمجرد الوصول إلى هناك تكسب روجدة بسرعة ثقة المقاتلات لكنها وكلما تعمقت في البحث عن أختها كلما تزايدت أزمتها الوجودية، إلى أين تنتمي هل هي مقاتلة ألمانية أم مقاتلة كردية؟لقد طرح الكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني سؤالاً يمكن أن ينطبق تماماً على هذا الفيلم "ما هو الوطن؟" روجدة ممزقة بين وطنين بين عالمين لقد نجح الفيلم في استعراض أزمة اختلاف الثقافات الشاسع فقد رأت فرحات والدة روجدة أن القهوة في ألمانيا ليس لها طعم قهوة الوطن اللذيذ حتى لو أنها صنعت بالطريقة نفسها كما استعرض صعوبة الصراع النفسي الذي تعيشه روجدة وقد خلقت زوايا التصوير المميزة جواً حميمياً يجعلك ترى الأحداث من وجهة نظر روجدة خاني المشتتة الضائعة. إنه فيلم جريء بفكرته وأسلوبه سيخلد طويلاً في ذاكرة كل من عانى يوماً من الهجرة القسرية.

يقدم الفيلم رؤية جديدة مختلفة لعالم الأطفال المتروكين يحكي الفيلم قصة فتاة صغيرة تعيش في ريف إيرلندا، بتم إرسالها للبقاء مع أقارب لم تلتق بهم على الإطلاق بينما والدتها لديها طفل آخر. 

قد تتوقع أن ينحى الفيلم لتصوير سوء المعاملة أو المعاناة التي تعيشها الطفلة البريئة التي رُميت إلى الذئاب، لكن العكس كان صحيحاً لقد وجدت الفتاة الحب والرعاية من أقاربها الحب الذي افتقدت وجوده مع أمها يستعرض الفيلم وبنجاح وجهة نظر الفتاة الصغيرة التي نعرف لاحقاً أن اسمها كيت نحن نرى الحياة من عينيها البريئتين الإهمال والقذارة اللذان عانتهما مع والدها السكير المدمن وأمها المهملة في المزرعة الفقيرة القذرة.

تتغير حياة الصغيرة كيت عندما تنتقل إلى مزرعة العجوزين إيبيلين شون وترى حياة لم تعهدها مطبخ نظيف مزرعة مرتبة حب واهتمام وملابس نظيفة وطعام صحي ساخن. 

يمتلئ الفيلم بالتفاصيل الصغيرة الدقيقة التي تحمل رسائل مبطنة تركز على الأهمية الكبيرة التي تقع على مسؤولية الأهل والأثر الضخم الذي تتركه الإساءة والإهمال في داخله، ويتابع الفيلم شيئاً فشيئاً خطوات كيت الحذرة التي حولتها إلى طفلة صحيحة الجسد والروح، لقد قلب الفيلم القصة المعتادة الطفل كان مهملاً من قبل والديه ووجد الحب عند الآخرين.

كما يركز الفيلم أيضاً على الصراع الثقافي بين الإيرلنديين والإنكليز حيث أن الأحداث تدور في الثمانينات ومحاولة أهل إيرلندا إبقاء لغتهم حية نضرة لقد كانت جميع حوارات الفيلم باللغة الإيرلندية والتي تدرس وبشكل إلزامي في البلاد حالياً، إنه فيلم رائع عاطفي يستمد قوته الأساسية من واقع أنه ليس كل الأهل أهلاً للإنجاب.

يأتينا هذا الفيلم الرائع من بلد عانى عبر تاريخه الطويل من الاحتلال والحروب والنزاعات التي كادت أن تدمره، أستونيا بلد صغير يقع شمال أوروبا في منطقة بحر البلطيق وكان سابقاً واحداً من البلدان الواقعة تحت سلطة الاتحاد السوفييتي الشيوعي

يتناول الفيلم قصة حاصلة في فترة تاريخية صعبة على البلاد هي فترة الاحتلال السوفييتي في الخمسينيات من القرن الماضي. وتناولت قصة  مؤثرة ومتخيلة على حد سواء للشاعرة الأستونية الشهيرة المحبوبة ليلو تونغال يبدأ الفيلم باستعراض لوجهة نظر ليلو الطفلة البريئة التي تبلغ من العمر 6 سنوات والتي تصاب بصدمة نفسية عندما ترى والدتها مديرة المدرسة قيد الاعتقال بسبب " اختلافات قومية " تشعر ليلو الصغيرة أنها المسؤولة بشكل أو بآخر عن اعتقال والدتها وتحاول جاهدة أن تحافظ على وصية أمها وتكون فتاة طيبة. 

نتابع خلال الفيلم الحياة العسيرة التي عاشها الأستونيون من وجهة نظر ليلو كطفلة بريئة تسأل أباها" ما معنى رفيق؟" الكلمة التي يستخدمها الشيوعيون لنداء بعضهم البعض كناية عن المساواة في المجتمع تفقد ليلوبراءتها شيئاً فشيئاً مع تقدمها في العمر وفهمها لمجريات الحياة حتى لو كنت جاهلاً بتاريخ هذا البلد الصغير سيأخذك الفيلم في رحلة مميزة إلى عالم قاس يمنع فيه أهل أستونيا من التكلم بلغتهم وتعليق علمهم والتهديد القابع فوق رؤوسهم بالنفي إلى صحراء سبيريا الجليدية عند أدنى خطأ لعل أفضل ما تم تقديمه في الفيلم هو العلاقة الجميلة بين ليلو ووالدها الذي يحاول قدر استطاعته حمايتها من العالم الخارجي لكن لا يمكن إغلاق أفواه الأطفال طوال الوقت. 

بزوايا تصوير شبيهة بالأفلام الوثائقية وموسيقا تصويرية من وحي الفولوكلور الأستوني نجح الفيلم في تسليط الضوء على أستونيا وشاعرته المحبوبة بشكل لطيف راق، إن هذا أجمل ما في السينما.

قدم المخرج الهولندي الإيراني كاوي موديري فيلمه هذا استناداً على التقلبات التي عاشتها عائلته كما أعلن بنفسه. 

تدور أحداث الفيلم في عام 2019 حول عالمة إيرانية عجوز تدعى هالة تعيش في هولندا أعدمت ابنتها في طهران عام 1982 بعدما خانتها صديقتها المقربة ليلى، لم ترَ هالة ليلى منذ أربعين عاماً لكنها قادرة على التعرف عليها في أي مكان وأي وقت 

تكتشف هالة أن المرأة التي ساهمت في إعدام ابنتها موجودة في هولندا وتعيش تحت اسم ساري وتجاهد للتعامل مع ابنتها نيلو، فتجد هالة فرصتها للانتقام من الخائنة. 

يحاول محسن شقيق هالة القادم من ألمانيا والذي دمره الأسر والظلم ثنيها عن مساعيها في الانتقام، لكن الحقد يأكل هالة من الداخل لقد أعمتها الكراهية والألم عن أي شيء آخر وأصبحت لا ترغب بشيء أكثر من الانتقام للابنة التي خسرتها منذ أربعة عقود وتتتابع أحداث الفيلم في استعراض الصراع الداخلي في قلب هالة ومحاولتها الانتقام لأجل ابنتها. 

يقدم الفيلم الكثير من الأفكار الجريئة الواقعية المستوحاة من التاريخ الدموي لإيران ويحاول تسليط الضوء على فكرة أن الانتقام لا جدوى منه وأنه يدمر صاحبه قبل أن يدمر المنتقم منه، إنه فيلم جذاب صادق ساهم الأداء التمثيلي الرفيع في جعله أكثر صدقاً وقرباً من قلوب من شاهدوه. 

حمل الفيلم اسم Mitra الذي يعني باللغة السنيكريتية الصديق الذي يحميك من الأذى، لقد كان العنوان تلخيصاً متيناً للفيلم، الانتقام ليس صديقك بل هو الغفران والمضي قدماً في الحياة .

سيعرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن المهرجان في السعودية في سابقة هامة لعالم السينما في الوطن العربي. 

يتناول الفيلم قصة ملهمة حول يزيد الذي قضى طفولته في الانتقال من دار رعاية إلى أخرى ويحلم بأن يصبح طاهي معجنات لا يمتلك يزيد أي إمكانية تهيئه لمثل هذه المهنة لكنه يمتلك تصميماً قوياً وسعة حيلة تسمح له أن يزدهر في ساحة المعجنات الراقية، من خلال العمل مع أفضل الطهاة في العالم من باريس إلى موناكو انطلق يزيد للفوز ببطولة الحلويات الدولية.

قدم الممثل الشاب رياض بلعيش الفرنسي ذو الأصول الجزائرية أداء تمثليلياً رفيعاً هذا الفيلم مليء بالبهجة والمشاعر الايجابية إنه قصة عن الأمل الذي لا ينطفئ قصة مهاجر فقير معدم قاتل الحياة كي يحقق حلمه وينال ما يرغب فيه وقد قدم الفيلم هذه القصة الملهمة بطريقة واقعية بعيدة عن الخيال والابتذال.

كانت هذه بعضاً من الأفلام الرائعة التي عرضت وستعرض في مهرجان الأفلام الأوروبية في الرياض، لقد اخترنا أبرز الأفلام لكن هناك المزيد من الأفلام الرائعة الأوروبية التي يجمع بينها الواقعية والبراعة والنظرة الإخراجية المتميزة والتي لا تنال ما يكفي من الاهتمام الإعلامي مع الأسف.

تحاول المملكة العربية السعودية تقديم الدعم للشباب العربي والسعودي  للخوض في عوالم السينما والفن السابع عبر إقامة المهرجانات واستضافة الكثير من المؤثرين في عالم الفن سواء كانوا ممثلين أو مخرجين أو حتى منتجين حيث أقام المهرجان عدداً من الندوات ومن أبرز ضيوف هذه الندوات المخرج البرتغالي نونو بياتو والمخرج الفرنسي سباستيان تولراد لتعريف الشباب بخفايا عالم السينما.

وتعزيز التواصل بين صانعي الأفلام الأوروبيين والسعوديين إضافة طبعاً إلى تعريف العالم العربي بالسينما الأوروبية المميزة الرائعة المظلومة إعلامياً، ونأمل أن نرى تداعيات إيجابية لهذه الخطوات لاحقاً وأن تتطور السينما العربية حتى ترتقي إلى مصاف السينما الأوروبية والعالمية ولا يعني هذا أن السينما العربية ليست جيدة قطعاً لا هناك أفلام عربية خالدة في ذاكرة السينما لكننا نأمل دوماً في التطور والتحديث والتنويع بعيداً عن القصص المكررة التي أصبحنا نراها في كل مكان وكل فيلم.