كيف سيغير الذكاء الاصطناعي مستقبل ألعاب الفيديو؟

منذ بضعة أيام قرأت خبرًا، ولعلكم قرأتموه أيضًا، مفاده أن روبوت الذكاء الاصطناعي الخاص بمتصفح Bing والتابع لشركة جوجل يريد "أن يكون حيًا"، "ينشر فيروسًا مميتًا"، وأخيرًا "يسرق أكواد القنابل النووية ويدمر البشرية كلها". مخيف، أليس كذلك؟

بغض النظر عما قاله هذا الروبوت، والذي ينبئ عن حقبة جديدة من سيناريوهات بداية النهاية التي نراها في أفلام الخيال العلمي، وبغض النظر أيضًا عما قد يحدث في المستقبل، لا يمكن لأحدنا أن ينكر حقيقة التطور الهائل الذي يحدث لأنظمة الذكاء الاصطناعي، بل وتوغله في كل مناحي الحياة تقريبًا، وما ذكرته بالأعلى هو أكبر دليل.

أصبحت الروبوتات قادرة على استبدال الموظفين، والمحاميين، بل وحتى الأطباء والمهندسين، وقريبًا -ليس قريبًا جدًا- قد نرى ما لا يُحمد عقباه على الإطلاق، ولكن حتى مجيء هذا الوقت -والذي لا نتمنى قدومه- دعونا نرى كيف يمكننا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence بشكل يجعل حياتنا أكثر سهولة.

صناعة ألعاب الفيديو.. واحدٌ من مجالات عديدة تشهد نموًا بمليارات الدولارات، وهذا منطقي في ظل التطور التقني الهائل الذي نعيشه. وصلت قيمة هذا السوق إلى أكثر من 365 مليار دولار، ويُتوقع لهذا الرقم أن يزيد زيادةً مهولة في السنوات القادمة. تعتمد ألعاب الفيديو بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي؛ فلا تخلو أي لعبة فيديو تقريبًا من التحديات التي قد تتمثل على هيئة ألعاب التصويب أو الألغاز أو حتى الألعاب المنصية والألعاب المستقلة.

وعلى الرغم من أن بعض الأكاديميين لا يعدون الذكاء الاصطناعي الموجود في الألعاب ذكاءً اصطناعيًا حقيقيًا، إلا أن الصخب المثار حول تكنولوجيا الألعاب هو شيء مفروغ منه لدرجة أن ميكروسوفت أطلقت على مساعدها الرقمي اسم Cortana تيمنًا بشخصية تحمل هذا الاسم في لعبة Halo. قدرة الشخصيات الموجودة في الألعاب على محاكاة الحقيقة وردة الفعل وحسم القرارات، كلها أشياء لا يمكن وصفها سوى بالذكاء الاصطناعي، فكيف يمكننا أن نستغله لنُحسّن من الألعاب أكثر وأكثر؟

كلما كان الذكاء الاصطناعي أفضل وأكثر تطورًا، كان الأمر أكثر واقعية، والعكس صحيح؛ فعندما نجد أن الشخصيات التي لا نستطيع أن نتحكم بها هذه تتسم بالغباء أو عندما نواجه عدوًا تحركاته متوقعة أو عدوًا يعرف تحركاتنا ويقتلنا بطرق استفزازية في ألعاب التصويب والمعارك أو نتكلم مع شخصية ونجدها لا تستجيب، فكل هذه الأمور ما هي سوى تدني لمستوى الذكاء الاصطناعي في اللعبة.

رفع كفاءة الذكاء الاصطناعي في الألعاب سيجعل كل شيء يبدو واقعيًا. ستشعر أنك تتفاعل مع شخصيات يتم التحكم فيها من قِبل لاعب آخر عن بعد وليس عن طريق روبوت أو ذكاء اصطناعي.

إذا ألقينا نظرة على تاريخ الـ NPCs في ألعاب الفيديو، فسنلاحظ أننا قطعنا شوطًا كبيرًا. في السابق اقتصر دور الـ NPCs على الأنماط الثابتة أو المحددة مُسبقًا Predetermined Patterns، وهذا تجسد في لعبة مثل Super Mario Bros التي صدرت عام 1985.

ومع بداية القرن الواحد والعشرين تحسن الذكاء الاصطناعي وأصبح أكثر تعقيدًا وفي سلسلة ألعاب F.E.A.R نجد خير مثال، فالأعداء كانت تعمل معًا بشكل منظم، يحتمون ويهجمون عليك بشكل واقعي جاعلين اللعبة أكثر تحديًا وصعوبة. استمر التطور وأصبح الذكاء الاصطناعي "يأخذنا على قدر عقولنا" ويضبط مستوى صعوبة اللعبة على قدر مهاراتنا، ولعبة Left 4 Dead أحد الأمثلة.

وصل الذكاء الاصطناعي إلى ذروته مع الألعاب التي يُمكن أن ننعتها بالحديثة مثل Red Dead Redemption 2 التي صدرت في 2018، والتي وجدنا من شخصياتها غير القابلة للعب تصرفات بشرية بامتياز وردود فعل تلقائية وواقعية لأقصى درجة وصلت إلى ردة الفعل على ردة الفعل وتكوين علاقات مع شخصيات NPCs أخرى.

لا ندري إلى أي درجة يمكن أن تتطور الـ NPCs خصوصًا مع ألعاب الجيل الجديد ووصول الذكاء الاصطناعي لمراحل مخيفة، ولكننا واثقون أنه سيدهشنا لا محالة.

يمكن للذكاء الاصطناعي المُحسَّن أن يزيد من واقعية محاكاة الألعاب للواقع ويزيد من مستوى جودة الرسوميات ليجعلها تبدو طبيعية لدرجة لا تستطيع أنت أن تفرق بينها وبين فيلم سينمائي مثلًا، ويمكننا القول إننا اقتربنا من الوصول إلى هذا المستوى بشكل أو بآخر، ولكن في نطاقات محدودة، فعندما صدر الإعلان الرسمي للعبة Hellblade 2 ورأينا وجه شخصية Senua أصابنا الذهول من هول الواقعية، حتى وإن كان هذا مجرد إعلان للعبة.

يمكن للمستوى الذي وصل إليه الذكاء الاصطناعي الآن أن يُحاكي الواقع بدقة ويصمم بيئات بإضاءات حقيقية للغاية، وتعاون الواقع الافتراضي Virtual reality مع الواقع المعزز Augmented Reality سيفتح الباب على مصراعيه لطُرق إبداعية جديدة في صناعة الألعاب وجعلنا نندمج ونتفاعل معها بشكل غير مسبوق.

أصبح الغش أحد أكبر المشاكل التي تواجه اللاعبين، خصوصًا في الألعاب الجماعية الأونلاين. توابع هذه المشكلة أكبر مما قد يتخيله الكثيرون؛ فإذا نحيّنا الأخلاق جانبًا، فتأثيرها المادي الواقعي مؤلم لكل الذين يتعرضون لها، خصوصًا في المسابقات وخصوصًا للاعبين المحترفين الذين يتكسبون من الألعاب.

يتسبب الغش في تخريب تجربة اللعب والحد من التنافس، كما أنه قد يعرض مرتكبيه إلى مسائلات قانونية كثيرة وقد يصل الأمر إلى تدمير سمعتهم لا سيّما إن تعلق الأمر بالرياضات الإلكترونية Esports ومسابقاتها الدولية والعالمية.

هناك أمثلة كثيرة للاعبين استخدموا وسائل غير مشروعة للغش، وسنعدد لكم منها KQLY في مسابقة CS: GO في 2014 ومنعه من المشاركة الاحترافية بعدما ضُبط وهو يغش. كذلك Forsaken، اللاعب الهندي الشهير الذي ضُبط هو الآخر في مسابقة للعبة CS: GO أيضًا وحدث له نفس ما حدث مع KQLY، وأخيرًا Emuhleet في لعبة Rainbow Six Siege في 2020 والتي اتُهمت بالغش، ولكن ثبتت براءتها لاحقًا، ومع ذلك تضررت سمعتها كثيرًا.

إذًا فالغش مشكلة لا يمكن أن يُستهان بها ومنعها من الألعاب سيحقق منافع كثيرة لنا جميعًا. والسؤال الآن: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يمنع الغش في الألعاب؟ عن طريق اكتشاف النمط المريب للغشاشين؛ فعن طريق تدريب الذكاء الاصطناعي على كشف أنماط الغش، لن يستطيع أحدٌ أن يتملص منه مهما حاول، ولكن المشكلة أن اللاعبين المحترفين قد يُتهمّوا ظلمًا بالغش لمهارتهم العالية، ولهذا يجب أن يُدرب الذكاء الاصطناعي بطريقة صحيحة.

أيضًا تحليل سلوك اللاعبين ومستواهم سيفيد كثيرًا في التعرف على الغشاشين؛ فمثلًا إذا كان أحد اللاعبين يلعب بطريقة عادية وفجأة تحسّن مستواه وأصبح Ninja (أحد أفضل لاعبي فورتنايت)، فهنا سيتدخل الذكاء الاصطناعي فورًا ويضبطه متلبسًا ويتم معاقبته بطريقة يختارها المطور بنفسه.

كل المزايا السالف ذكرها ليست إلا نقطة في بحيرة راكدة سيؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى اضطرابها -بالمعنى الجيد- وهذا من شأنه أن ينقل صناعة الألعاب، وغيرها من المجالات التي يتدخل فيها الذكاء الاصطناعي، نقلة نوعية ترينا جوانب لم نكن لنراها من قبل.