تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

تاريخ الوجوه التعبيرية.. بدايتها وكيف أصبحت أساسية في حياتنا؟ “من =) إلى 😀”

ناصر داخل
ناصر داخل

9 د

في عام 2017 -وفي اليوم العالمي للوجوه التعبيرية- أعلنت منصّة فيسبوك أنّ هناك ما يقارب 5 مليارات وجه تعبيري (Emoji) يتمّ إرساله تقريبًا بشكل يومي على تطبيق المحادثة ماسنجر. وإن دلّت الأرقام هذه على شيء فهيَ تدلّ على أنّ هذه الوجوه اللطيفة صفراء اللون أصبحت جزءًا أساسيًّا في تواصلنا اليومي على الإنترنت وللتعبير عن مشاعرنا المختلفة.

ولكن مهلًا، في أيّ نقطة من الزمن أصبحت هذه الوجوه التعبيرية ضروريةً لنا وانتشرت بالشكل الهائل الذي نراه اليوم؟ وكيفَ كانت بداياتها؟ هذا ما سنتكلّم عنهُ في هذا المقال، حيث سنأخذكم في رحلة تاريخية للوجوه التعبيرية!


عصر ما قبل التكنولوجيا والحواسيب

بعدَ اختراع الكتابة والآلات الكاتبة، أردنا نحن البشر التعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا بوسائل أخرى تتعدّى الكلمات والأحرف. فعلى سبيل المثال، في خمسينيّات القرن التاسع عشر كانَ الرقم 73 في شفرة مورس يعني “أطيب التحيّات” بالإضافة إلى الرقم 88 الذي كان يعني “مع حبّي وعناقي” – والذي نعبّر عنه بواسطة الرموز “XO” في عصرنا هذا.

ونرى أوّل ظهور للرموز التعبيريّة في عام 1648 في قصيدة مطبوعة للشاعر الإنجليزي “روبرت هيريك”، إذ قامَ باستخدام الرمز “:)” والذي يمثّل وجهًا مبتسمًا.


قصيدة للشاعر "روبرت هيريك"

قصيدة للشاعر “روبرت هيريك” يظهر فيها استخدامه للرمز التعبيري “:)”، عام 1648

كما نستطيع رؤية استخدام الرمز التعبيري “;)” في خطاب مكتوب في نسخة من نسخ صحيفة “نيويورك تايمز” لأحد خطابات الرئيس الأمريكي “إبراهام لينكولن” في عام 1862، إلّا أنّ بعض الخبراء اللغويين رجّحوا هذا لكونهِ خطأً مطبعيًّا لا أكثر.


نسخة مطبوعة لإحدى خطابات الرئيس الأمريكي "لنكولن"

نسخة مطبوعة لإحدى خطابات الرئيس الأمريكي “لنكولن” في عام 1862

إلّا أنّ أولى الجهود في رسم وتحقيق الرموز التعبيريّة بحقّ كانت في عام 1881، على يد المجلّة الهزليّة “باك – Puck”. وقد قدّمت المجلّة في أحد إصداراتها رسومًا تعبيريّة تعبّر عن حالات الفرح، الدهشة وغيرها عن طريق دمج وتركيب مختلف علامات الترقيم والرموز.


بعض الرموز التعبيريّة التي تمّ نشرها في مجلّة Puck الهزليّة عام 1881

بعض الرموز التعبيريّة التي تمّ نشرها في مجلّة Puck الهزليّة عام 1881

وظهرَ فنّ الرسم المدعوّ بـ “Typewri-toons” في الفترة الممتدّة بين ستّينيات وثمانينيّات القرن الماضي، إذ تقومُ فكرته على الرسم بواسطة المحارف المختلفة (الأحرف الأبجديّة، علامات الترقيم، الرموز) فقط.


بعض من الرسومات بفنّ "Typewri-toons"

بعض من الرسومات بفنّ “Typewri-toons”

عصر الحواسيب والتقنيّة الذي ساهم بظهور الأيقونات التعبيرية وانتشارها

مع ظهور الحواسيب الشخصيّة وانتشارها في سبعينيّات القرن الماضي (1970 – 1980) وسهولة الحصول عليها في كلّ منزل، بالترافق مع انتشار شبكة الإنترنت (الويب) في معظم أنحاء العالم وخدمة البريد الإلكتروني، أصبحَ لمختلف الأشخاص حولَ العالم وسيلة تواصل جديدة وفعّالة.

إلّا أنّ البريد الإلكتروني في بداياته كان يقتصر على الأسطر النصيّة فقط لا غير، ممّا سبّب للكثير من الرسائل أن يُساء فهمها بسهولة أو أن تفقد معناها دونَ أي مؤشّر لنوع العواطف المُراد التعبير عنها في هذه الأسطر النصيّة.

وهذا أثار إحباط العديد من ضمنهم البرفسور الجامعي وعالم الحاسوب “سكوت فالمان” والذي اعتادَ على إرسال النكت والتعليقات الساخرة على البريد الإلكتروني لزملائه وطلبته، ولكنّ معظمها كانَ يؤخذ بشكل جدّي.

وكنتيجة لذلك قامَ البرفسور “فالمان” في عام 1982 بإرسال بريد إلكتروني لزملائه يقترح بالاستدلال على العبارات الساخرة باستخدام الرمز “:-)” واقترح استخدام “:-(” للعبارات الجادّة.


البريد الإلكتروني الذي قام "فالمان" بإرساله في عام 1982

البريد الإلكتروني الذي قام “فالمان” بإرساله في عام 1982

وما إن بدأ استخدام هذه الرموز التعبيريّة بكثرة، قامَ بعض الطلاب وزملاء البروفسور (بعدها، جميع مستخدمي الإنترنت) بإضافة المزيد من الرموز التعبيريّة التي تعكس تعابير مختلفة ومتنوّعة مثل الرمز الذي يقوم بغمز عينه “;-)” والرمز الذي يعبر عن الدهشة “:-0” وغيره الكثير.

وقد سميَت هذه الرموز بالإيموتيكون (Emoticon) وهيَ ناجمة عن جمع الكلمتين: عاطفة (Emotion) وأيقونة (Icon).

وفي الفترة الزمنية ذاتها ظهرت رموز تعبيريّة أخرى في اليابان سمّيَت بالكاوموجي (Kaomoji) والتي تعني وجه الشخصيّة في اللغة اليابانيّة، وتميّزت هذه الرموز عن الإيموتيكون بأنّها تُكتب وتُقرأ بشكل أفقي مع اتّجاه الكتابة. ¯_(ツ)_/¯


صورة تظهر أبرز الرموز التعبيريّة "Kaomojis"

صورة تظهر أبرز الرموز التعبيريّة “Kaomojis”

أدى العدد الكبير للمحارف في اللغة اليابانيّة (الكاتاكانا، الهيراغانا، الكانجي) إلى ظهور تنوّع كبير في الرموز التعبيريّة، وسرعان ما تمّ استخدام المزيد من الرّموز والمحارف الكوريّة واليونانيّة وغيرها في مختلف أنحاء العالم لتصميم مختلف الرموز.


أولى المحاولات في تصميم واستخدام الوجوه التعبيرية

ومع زيادة أشكال وتركيبات الرموز التعبيريّة ظهرت الحاجة لوجود رمز واحد يوفّر على المستخدم عناء إدخال عدّة محارف لتشكيل رمز تعبيري واحد والتي كانت عمليّة رتيبة وتهدر الوقت على المدى البعيد.

وكانَت إحدى أولى المحاولات من نصيب شركة مايكروسوفت، إذ قامَت بتطوير سلسلة من الخطوط الطباعيّة (Typefaces) في عام 1990 تحت اسم “Wingdings”، واحتوى هذا الخطّ على مجموعة من تعابير الوجه والرموز المختلفة الأخرى. ولكن هذا عنى أنّ الرموز ستظهر فقط على الجهاز الذي تمّ تثبيت هذا الخطّ عليه.


بعض من الرموز الموجودة في خطّ "wingdings"

بعض من الرموز الموجودة في خطّ “wingdings”

في الحقيقة، يمكننا القول إنّ المحاولة التي حظيت بالشعبية وسبّبت انتشار وتطوّر الوجوه التعبيريّة كما نعرفها الآن هيَ أوّل مجموعة من الرموز التعبيريّة من رسم الفنان الياباني “شيجيتاكا كوريتا”.

إذ قام “كوريتا” برسم مجموعة تحتوي على 176 رمزًا تعبيريًا مختلفًا لصالح شركة “i-mode” اليابانيّة المختصّة في وسائل التواصل المحمولة في عام 1999 كوسيلة ترويجيّة للشركة، إذ اقتَصر وجود هذه المجموعة على الأجهزة التي تعمل على شبكتها فقط.

وبحكم القيود المفروضة في ذلك الوقت على مواصفات الأجهزة وشاشات العرض، قامَ “كوريتا” برسم كلّ رمز على مساحة 12×12 بيكسل -مقارنةً بحجم الوجوه التعبيريّة اليوم والذي يبلغ 128×128 بيكسل- بالإضافة إلى أنّ كل رمز احتوى على لون واحد فقط.


مجموعة الرموز التعبيريّة التي قام "كوريتا" برسمها، عام 1999.

مجموعة الرموز التعبيريّة التي قام “كوريتا” برسمها، عام 1999.

وقدّ تمّ إطلاق تسمية الوجوه التعبيريّة عليها أو كما ندعوها “الإيموجيز – Emojis” والتي تعني حرفيًّا في اللغة اليابانيّة (صورة المحرف – Image Character).


ومن هنا بدأ السباق باتجاه الوجوه التعبيرية

بعدَ محاولة شركة “i-mode” ونجاح حركتها الإعلانيّة، تهافتت معظم المنصّات ووسائل التواصل والمراسلة بتضمين إصدارها الخاص من الوجوه التعبيرية بشكل جديد ومميّز يجذب المستخدمين إليها.

ولعلّ أشهر هذه المحاولات كانَت على يد شركة مايكروسوفت في تطبيق المراسلة الأيقوني الشهير الخاص بها MSN، إذ قامت بإطلاق مجموعة من 30 رمزًا ووجهًا تعبيريًا على منصّتها في عام 2003، ولا زال لهذه المجموعة التأثير الكبير في العديد من الوجوه التعبيرية التي نقوم باستخدامها اليوم.


حزمة الأيقونات الموجودة في برنامج التراسل MSN

حزمة الأيقونات الموجودة في برنامج التراسل MSN

وتبعتها شركة جوجل بعدها في عام 2007 إذ قامت بتضمين حزمة من الوجوه التعبيريّة الخاصة بها لاستخدامها على منصّة “جيميل”، وبعدها شركة آبل في عام 2008 ومع إطلاق تحديث iOS 2.2، لتكون رسميًا بداية اعتماد الوجوه التعبيرية في الهواتف الذكية.

  • اقرأ أيضًا: كيف تمكن ستيف جوبز من خداع العالم بأسره وتزييف عرض أول هاتف آيفون؟

اقتصر استعمال هذه الوجوه التعبيرية على السوق اليابانيّة والآسيويّة، وإلّا إن أردت استعمالها فعليك أن تقوم بتحميل تطبيق منفصل لتقوم باستخدامها – إلّا أن آبل قامَت بتضمين هذه الوجوه التعبيرية مع لوحة المفاتيح في تحديث iOS 5.


العديد من الوجوه التعبيريّة، والرموز.. دون وجود توافق بين أيّ منهم!

أدّت كثرة الوجوه والرموز التعبيرية على مختلف المواقع والمنصّات وبرامج التراسل إلى مشاكل في التوافق فيما بينها وتعرّف الأجهزة والمواقع على هذه الرموز، ممّا سبّب لكثير من الأحيان ظهور علامات غريبة عند الطرف الآخر – كالرمز “�”.

وللقضاء على هذه المشكلة المزعجة، قامَ مهندسان من شركة آبل -“ياسيو كيدا” و”بيتر إيدبرج”- بتقديم طلب لهيئة “يونيكود – Unicode” العالميّة -المسؤولة عن معيار Unicode العالمي الخاص بتوحيد المحارف- في مارس عام 2009 لضمّ الوجوه والرموز التعبيرية لهذا المعيار لتوحيدها عبر جميع المنصات.

وقد تم الموافقة على هذا الطلب لاحقًا مع إطلاق الإصدار السادس ليونيكود عام 2010 في شهر أكتوبر، إذ ضمّت 625 وجهًا ورمزًا تعبيريًا مبدئيًّا – إلى يومنا هذا يوجد 3633 رمزًا تعبيريًا في المجمل، والعدد بازدياد بعد كلّ إصدار.

إذ أمكنكَ الآن نسخ الوجوه التعبيرية الموجودة في تطبيق معيّن ولصقه في تطبيق آخر وستبدو النتائج متماثلة ولن تمتلئ الشاشة بإشارات الاستفهام الغريبة تلك!

وقد شهدنا في السنوات الأخيرة أيضًا جهودًا من مختلف الشركات (جوجل، فيسبوك، آبل، تويتر) بتوحيد مظهر الوجوه التعبيريّة فيما بينهم بشكل ملحوظ.


مقارنة للوجه التعبيري المبتسم، بين مختلف المنصّات وتغيّر التصميم عبر السنوات

مقارنة للوجه التعبيري المبتسم، بين مختلف المنصّات وتغيّر التصميم عبر السنوات

ويجب ألا ننسى ابتكار “الأنيموجي – Animoji” -تركيب من كلمتين “حركة Animation” و”Moji شخصية”- على يدّ شركة آبل في مؤتمرها عام 2017، بالتزامن مع إعلانها لنظام iOS 11 والذي سمحَ للمستخدمين بتحريك مختلف الوجوه التعبيريّة حسب حركة وجوههم، والتي تم بعدها نسخها من شركات كشاومي، في حين قامت سامسونج بابتكار “AR emojies” والتي تسمح لك بصناعة الشخصية الخاصة بك وشراء الأزياء لها -بنقود حقيقية-.


استعراض لخاصية "Animoji" التي أطلقتها أبل في عام 2017

استعراض لخاصية “Animoji” التي أطلقتها أبل في عام 2017

الوجوه التعبيرية كظاهرة اجتماعيّة مهمّة.. مشاكل وأحداث مفصليّة

أبرز الانتقادات التي تتعرّض لها الوجوه التعبيرية بشكل عام هيَ افتقار تمثيلها وتعبيرها عن فئات معيّنة من المجتمع أو دول العالم. فعلى سبيل المثال اشتكى الكثير من مواطني بلاد الغرب (بالأخصّ الولايات المتحدة الأمريكيّة) بالعدد الكبير من الوجوه التعبيرية الذي يمثّل ثقافة البلدان والحضارات الآسيويّة بالمقارنة لبلدانهم.

بالإضافة إلى وجود رموز تعبيريّة تمثّل مختلف المِهَن (طبيب، مدرّس، إلخ..) ولكن جميعها كانت ذكورًا وتفتقر إلى رموز تمثّل الإناث في هذه المهن، بالإضافة إلى ألوان البشرة المختلفة إذ كانَت تحتوي الوجوه التعبيرية على لون واحد فقط.

ولكن سرعان ما تمّ إضافة خمسة ألوان من البشرة للرموز التعبيرية في عام 2015، تبعها وجه تعبيري لفتاة ترتدي الحجاب في عام 2016 بالإضافة إلى مختلف الرموز التي تمثّل ذوي القدرات الخاصة وغيرها من الرموز التي شملَت المزيد من فئات المجتمع.

كما قامت السلطات في بعض البلدان باعتبار الرموز التعبيرية مثل المسدّس بمثابة تهديد للقتل عندَ إرسالها في بعض الأحيان. ممّا اضطّر شركة آبل لتغييره إلى مسدّس مائي، وسرعان ما تبعتها الشركات الأخرى.


صورة توضّح التغيير في تصميم المسدّس من مسدّس حقيقي إلى مائي على مختلف المنصات

صورة توضّح التغيير في تصميم المسدّس من مسدّس حقيقي إلى مائي على مختلف المنصات

ولكن، إن وضعنا جميع هذه المشاكل جانبًا، فسنلاحظ بأنّ الرموز التعبيرية قد غيّرت الطريقة التي نتواصل فيها سويًّا بشكل جذري كما أنّها ظاهرة اجتماعيّة ضخمة.

فعلى سبيل المثال، قامَ قاموس أوكسفورد في عام 2015 باختيار الوجه التعبيري “😂” ليكون كلمة العام، فلك أن تتخيل المرحلة التي وصلنا إليها من تطوّر هذه اللغة ليصبح رمزًا منها يمثل كلمة العام!

كما قامَ قاموس Dictionary بتضمين العديد من الرموز والوجوه التعبيرية ومعنى كلٍّ منها، ويعتبر القاموس الأوّل المرجعي الذي يقوم بذلك.

ودعونا لا ننسى فيلم “The Emoji Movie” الذي صدر عام 2017 من إنتاج شركة سوني، وكانت شخصياته عبارة عن وجوه تعبيريّة، إذ لاقى هذا الفيلم نجاحًا هائلًا وحصد أرباحًا تقدّر بـ 200 مليون دولار أمريكي.


فيلم "The Emoji Movie"

فيلم “The Emoji Movie”
ذو صلة

في الختام، لا شكّ أنّ الوجوه التعبيرية ظاهرة اجتماعية تزداد انتشارًا وتأثيرًا حولَ العالم، وتكادُ أن تكون لغةً بنفسها إلى حدٍّ ما! ولا يبدو أن تطوّرها سيتوقف قريبًا مع استمرار صدور مختلف التقنيات المتعلّقة بها.

ولكن، ما هوَ الوجه التعبيري أو الرمز الذي تظنّ أنه مفقود من المجموعة ويجب إضافته؟ شاركنا برأيك في التعليقات!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة