”الرموز غير القابلة للاستبدال NFTs“.. كارثة تُهدد مستقبل كوكبنا!
7 د
ياله من عالم، تتغير فيه المُعطيات وتتصاعد حدتها سريعًا، قبل سنوات ليست بالبعيدة لم يكن يتصور أن إدمان الهواتف الذكية وقضاء الساعات والساعات داخل وسائل التواصل الاجتماعي سيتحول وبهذه السرعة ليكون هو واقعنا وفكرة العيش دونها في العقد الأخير أصبحت من المستحيلات، قريبًا مع دخولنا «لعصر الـ Web3» ستصبح المعاملات الرقمية والحياة الافتراضية هي الحياة التي قبل سنوات قليلة لم تكن إلا مجرد مزحة سخيفة.
ما هي الـ NFT؟
لا تحتاج أن تكون متابعًا لآخر تحديثات السوق الرقمي حتى يمر على أذنيك مُصطلح NFTs وهي اختصار لكلمة Non-Fungible Tokens أو بلغة الضاد يُطلق عليها "الرموز غير القابلة للاستبدال" التي شئنا أم أبينا ستكون هي مُستقبل الاستثمار الرقمي وستدخل تباعًا في شتى المجالات خلال السنوات القليلة القادمة.
- اقرأ أيضًا: الرموز غير القابلة للاستبدال NFT… أحدث صيحات جنون الاستثمار الرقمي.
تعتمد تقنية NFT على معيار ترميز ERC721 الذي يعمل في شبكة “الإيثيريم – Ethereum” لتوليد رموز غير قابلة للاستبدال، وتمامًا كأي عنصر رقمي يتم ترميزه على شبكة البلوكتشين العالمية، لن يستطيع أحد تغييره حتى أنت وبذلك يحتفظ بملكية رقمية واحدة لا تتبدل إلى الأبد، فقط يمكن بيعها وشرائها بواسطة مالكها الأصلي.
كانت تلك الرموز مُقتصرة على الأعمال والرسوم الفنية، ثم انقلب العالم رأسًا على عقب حينما باع فنان يُعرف باسم Beeple قطعة من الفن الرقمي على هيئة NFT مقابل أكثر من 69 مليون دولار في مارس الماضي.
الجنون في صوره الأكثر جنونًا استمر حينما بيعت تغريده لجاك دورسي، الرئيس التنفيذي لشركة تويتر مقابل 2.9 مليون دولار، لم يعد الأمر يقتصر على الرسومات والصور الفنية فقط، بل فُتح المجال لأن يتم بيع أي محتوى رقمي يخطر على بالك على هيئة قطع NFTs، من ضمنها الأراضي والملابس الافتراضية في عالم الميتافيرس.
مع بزوغ نجم «رموز الـ NFTs» ظهرت سلبياتها، ولا أقصد بتلك السلبيات الأمور المتعارف عليها كفقدان هُوِيَّة الإنسان للحياة الواقعية والاتجاه بشكل أكبر نحو العزلة والواقع الافتراضي ولكن الأمر يتعلق بقضية أكبر من ذلك وهي تأثير تلك العمليات على الغلاف الجوي لكوكب الأرض، فما عَلاقة الـ NFTs بالمناخ؟
ضرر الـ NFTs سيساهم في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض
تشترك الـ NFTs في سمة ضارة واحدة مع أبناء عمومتها من العملات المشفرة، وهي أن كليهما يستخدم طنًا من الطاقة، هذا السجل الرقمي -حيث يتم تخزين تلك القطعة الفنية التي تسمى NFT- هو المسؤول عن الانبعاث السنوي للكربون في الغلاف الجوي أكثر من معظم البلدان الصغيرة، والانبعاثات الناتجة عن هذه العملية تساهم أيضًا في تدمير الغلاف الجوي للأرض.
بحَسَبَ دراسة نشرت عام 2018 في مجلة Nature Climate Change أن انبعاثات البيتكوين وحدها يمكن أن ترفع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين فوق المستويات التاريخية، إذا تم تبنيها على نطاق واسع وهو ما يحدث فعلًا في الوقت الحالي.
"البيتكوين" نظام دفع غير نقدي لامركزي تم تقديمه في أوائل عام 2009، وهو الآن مقبول من قبل أكثر من 15000 تاجر وبائع في جميع أنحاء العالم حيث يتم تجميع كل معاملة مدفوعة باستخدام Bitcoin في "كتلة -Blockchain" تتطلب عملًا حسابيًا والذي بدوره يستخدم كميات كبيرة من الكهرباء، تمامًا مثل الإيثيريم الذي يستخدم في توليد تلك الرموز NFTs.
وبينما يتم قَبُول عملة Bitcoin على نطاق واسع ويتم اعتبارها عملة رقمية دولية، يتم قَبُول الإيثيريم فقط لمعاملات التطبيقات الرقمية (Dapps) التي تعمل على شبكة الإيثيريم-Ethereum.
استنادًا إلى الافتراضات القائلة بأن 60% من العائد الاقتصادي لعملية التحقق من معاملة Bitcoin يذهب للكهرباء وذلك عند 5 دولارات أمريكية لكل كيلو وات في الساعة و 0.7 كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2e) المنبعثة لكل كيلو وات في الساعة، قدر أن استخدام البيتكوين ينبعث منه 33.5 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يمكن مقارنته باستهلاك الطاقة السنوي في دول مثل قطر والمجر.
ووفقًا لمؤشر استهلاك الكهرباء في كامبردج، فإن كَمّيَّة الكهرباء التي يستهلكها تعدين البيتكوين في عام واحد تساوي تلك المستخدمة لتشغيل دول مثل ماليزيا والسويد وأوكرانيا.
في يناير من العام الماضي، تم إلقاء اللوم على أصحاب مزارع التعدين في انقطاع التيار الكهربائي في إيران، وفي مايو من نفس العام، أعرب إيلون ماسك عن قلقه بشأن الاستخدام المتزايد سريعًا للوقود الأحفوري لتعدين البيتكوين ومعاملاته، ولا سيما الفحم، الذي يحتوي على أسوأ انبعاثات من أي وقود آخر وعلى أثر ذلك قرر "ماسك" أن Tesla لن تقبل عملة "البيتكوين Bitcoin" بعد الآن كدفعة لحجز أو شراء للمركبات بسبب هذه المخاوف البيئية وقال إن الشركة تبحث في عملات رقمية بديلة تستخدم طاقة أقل لكل معاملة.
مع أنّ الأثر الكربوني لتعدين عملة Ethereum ليست بهذا القدر من السوء بالمقارنة مع Bitcoin، فإنه من المقدر أن يكون لمعاملة إيثيريم بصمة في المتوسط حوالي 35 كيلو واط في الساعة مع انبعاثات تقترب من 20 كجم من ثاني أكسيد الكربون وهذا في حد ذاته مرتفع بشكل مثير للقلق، لتبسيط ذلك هذا يعادل تقريبًا استهلاك الطاقة الكهربائية لمقيم في الاتحاد الأوروبي لمدة 4 أيام.
لسوء الحظ، اتضح أن معاملات NFT والمعاملات ذات الصلة التي تعتمد على خوارزمية إثبات العمل الأساسية مثل الإيثيريم أسوأ بكثير من حيث التأثير، وعلى الرغم من أن تعدين عملة الإيثيريم Ethereum هو واقع ملموس حتى قبل ظهور مُصطلح الـ NFTs لكن الطلب المتزايد يعني أن المبدعين والمشترين أصبحوا مسؤولين بشكل متزايد عن حصتهم من إجمالي استخدام الطاقة، وذلك لأن إنشاء الرموز NFTs الجديدة يُسبب زيادة في الانبعاثات.
ما الذي يجعل رموز الـ NFTs أكثر خطورة من معاملات الإيثيريم العادية؟
قام Memo Akten، وهو فنان رقمي وعالم حاسوب، بتحليل حوالي 18000 رمز NFT عبر أشهر الأسواق التي تعرض تلك الرموز، ووجد أن متوسط NFT واحد له بصمة كربونية تعادل أكثر من شهر من استخدام الكهرباء للشخص العادي الذي يعيش في أحد دول الاتحاد الأوروبي.
ترجع هذه البصمة الكبيرة جزئيًا إلى العديد من المعاملات التي تنطوي عليها NFTs ومن بينها نقل الملكية وعدة عمليات أخرى، يولد متوسط إنتاج NFT واحد حوالي 440 رطلًا من الكربون، هل تعلم ماذا يعادل هذا الرَّقْم؟ ستُصاب بالدهشة إذا علمت أنه يُعادل الانبعاثات الناتجة عن:
- القيادة مسافة 1000 كيلومتر بسيارة تعمل بالغاز.
- طائرة تحلق لساعتين.
- استخدم غلاية الماء الكهربائية 4500 مرة.
- استخدام حاسبك المحمول لمدة ثلاث سنوات.
- استخدام حاسبك الشخصي PC لمدة عشرة أشهر.
هذه الانبعاثات عمومًا أعلى بـ 10 مرات من تلك الخاصة بمتوسط معاملة "إيثيريم-Ethereum" عادية.
NFT ليست ضارة بذاتها، المشكلة تكمن في الطريقة
قبل مدّة وجيزة، أعلنت Ethereum أنها ستبتعد عن نموذج أو آلية "إثبات العمل-(Proof of Work)" المستخدمة في تعدين الإيثيريم والتي تحتاج لتعدينها إلى أجهزة حاسوب قوية تعمل لفترات طويلة وتستهلك طاقة بشكل كبير إلى بديل أكثر صداقة للبيئة يسمى "إثبات الحصة-(Proof-of-stake)" الذي يكافئ المستخدمين بناءً على مقدار العملة المشفرة التي يمتلكونها بالفعل، مما يقلل من الجهود الحسابية والذي بدوره سيقلل من انبعاثات الكهرباء الضارة الناتجة عن تعدين العملة، إثبات الحصة ليس له انبعاثات في الأساس لأنه لا يتطلب التعدين.
هذا يعني أن "الرموز غير قابلة للاستبدال NFTs" ليست ضارة بذاتها ولكن المشكلة تكمن في الطريقة التي يتم استخراج بها تلك الرموز، الأمر يشبه ما حدث للسيارات، قبل سنوات كان بإمكانك أن تقول بأمان، "السيارات لها بصمة كربونية هائلة على البيئة"، الآن بعد أن أصبحت السيارات الكهربائية خيارًا واقعيًا، يجب أن نكون أكثر دِقَّة: "السيارات التي تعمل بالغاز لها بصمة كربونية هائلة".
بالطريقة نفسها، كان من الممكن أن نقول بدقة "رموز NFTs تهدر الكثير من الكهرباء وتأثيرها على البيئة ضار" ولكن بالنظر إلى خِيار استخدام إثبات الحصة PoS، يجب أن نكون أكثر دِقَّة الآن: "طريقة إثبات العمل PoW هي التي تهدر الكثير من الكهرباء".
المستقبل أكثر استدامة… لكن متى؟
من المبالغة القول إن جميع رموز NFTs ضارة بالبيئة على حد سواء، فمثلًا التحول إلى استخدام "Ethereum 2.0" يمكن أن يقلل من استهلاك الطاقة المنبعثة من الـ NFTs بنسبة 99%." يمكن أن يقلل من استهلاك الطاقة المنبعثة من الـ NFTs بنسبة 99%.
كذلك يمكن تقليل تأثيرات NFTs بشكل أكبر من خلال بناء الأنظمة على 'Layer 2' بدلًا من تعدينها مباشرة على Blockchain، في هذه الحالة سيتم تجميع معاملات الطبقة الثانية معًا، وحلها خارج السلسلة، ثم إعادتها إلى السلسلة كمعاملة واحدة، مما يجعل الشبكة أكثر كفاءة، لكن هذا التغيير لم يحدث بعد، وبدأ المجتمع في التساؤل عما إذا كان سيحدث في وقت قريب.
في ظل المُستقبل الرقمي الحتمي ودخول تلك الرموز قريبًا في عدد من مجالات الحياة الرئيسية كالتحقق من البطاقة الشخصية أو رخصة القيادة وكذلك السجلات الطبية وإثبات ملكية السكن وغيرها، سيكون على الجميع تحمل عبء التأثير البيئي المُكلف لهذه المعاملات.
وفي حين أنه من الواضح أن NFTs لها حاليًا تأثير بيئي كبير، مع ذلك هناك بعض الطرق الذي تجعلها أكثر استدامة في المستقبل، ومثل سابقتها تبدأ معظم التقنيات بشكل غير فعال وتتحسن بمرور الوقت وعمومًا العملات المشفرة فكرة جيدة على العديد من المستويات وأعتقد أن لها مستقبلًا واعدًا، ولكن هذا لا يمكن أن يتحقق بتكلفة باهظة على كوكبنا.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.