من تيمور وشفيقة إلى ولاد رزق2: أشهر أفلام بارزة رسخت للهيمنة والعنف الذكوري
6 د
لا يعتبر الفن بأشكاله المختلفة، وصوره المتعددة ضميراً للأمة ومرآة للشعوب فحسب، بل يعد في أحيان كثيرة أداة ترسخ جملة من القيم، سواء أكانت إيجابية، أو سلبية، حيث أنه يؤثر بشكل لا إرادي على مستويات اللاوعي، بما يعزز منظومة من المفاهيم، سرعان ما تتحول لثوابت فكرية، وحقائق مجتمعية، يصعب تغييرها، أو تبديلها.
ومن هنا يصبح من الخطأ القبول بالنظر لمخرجات العملية الفنية، بقنواتها المختلفة وعلى رأسها “السينما”، على أنها انعكاس لماهية المجتمعات، ومنظومتها القيمية فقط، بل يجب النظر إليها انطلاقا من قاعدة تأثيرها، فهي تلك القوة المخترقة لوجدان المشاهد، ونفوس المتلقين.
أقرأ أيضًا: أفضل أفلام منى زكي: نجمة من الصعب أن تكرهها
هل ترسخ السينما لعالم ذكوري؟
في محاولة استقراء سلطان السينما وقدرتها على ترسيخ صور نمطية تساهم في تشكيل الوعي المجتمعي يتضح أن السينما كانت من أهم أسباب انتشار أبرز الظواهر السلبية في المجتمع المصري خاصة والعربي عامة، ألا وهي ظاهرة العنف المجتمعي النابع من ما يعرف بـ”الهيمنة الذكورية”.
فمهما اتفقنا أو لم نتفق، فإن صناع فن السينما يسعون – أو هكذا يدعون، أو يظنون على أحسن تقدير- جاهدين عبر أدواتهم الفنية إلى التصدي لتلك الآفة المجتمعية، إلا أن النتائج غالباً ما تأتي عكسية، إلى الحد الذي يمكن القول معه أن السينما بشكل لا واعِ تؤيد التفوق الذكوري وتحافظ عليه، أكثر من محاربته والتصدي له.
ففي ظاهر الأمر يبدو أن المعالجات السينمائية لظاهرة “السطوة الذكورية” تحاول مناصرة قضايا المرأة، إلا أنها ضمنيا، تقوم بإعادة تلميع صورتها المنبطحة أمام الثقافة الذكورية، وهو ما انعكس عبر تأييد بعض الأعمال السينمائية البارزة في السنوات الأخيرة بشكل ضمني لسطوة الذكر على الأنثى.
تيمور وشفيقة
في إطار رومانسي ممزوج بكوميديا الموقف قدم الثالوث الذكوري خالد مرعي مخرجاً وتامر حبيب كاتباً، وأحمد السقا بطلاً، فيلم تيمور وشفيقة عام 2007، لينعكس البعد الذكوري على الفيلم بشكل يجعله علامة فارقة ليس في المسار السينمائي المصري وإنما في الخطاب المجتمعي، فبالرغم من أن الفيلم عرض في مرحلة ما قبل الربيع العربي، إلا أن خطابه كان رجعياً.
فأحداثه تدور حول قصة حب بين ضابط بإدارة الحراسات الخاصة يدعى تيمور (أحمد السقا) وشفيقة (منى زكي) والتي هي بالأساس جارته وحب عمره منذ الصغر، ومع تتابع الأحداث يتم تعيين شفيقة وزيرة للبيئة، ويتم تعيين تيمور كحارس خاص لها بحكم طبيعة عمله وانسياقاً للحبكة الدرامية، ليحدث التفاوت بحكم المنصب شرخاً في علاقتهما، وجملة من الخلافات لا تنفك إلا باستقالة الوزيرة.
وانطلاقاً من تلك العقدة الدرامية التي شكل استقالة شفيقة من منصبها كوزيرة لتقضي على التفاوت الوظيفي بينها وبين تيمور حلاً لها استطاع الفيلم تكريس مبدأ الهيمنة الذكورية، وتأكيد المفاهيم المصورة لنجاحات المرأة العملية كعائق أمام سعادتها ونجاحها الاجتماعي والأسري، وتقديم التنازل عن هذا النجاح من أجل الرجل كمسار وحيد لتلك السعادة.
بدا كل شيء في الفيلم وكأنه جريمة في حق المرأة، إلا أن أخطر أركان هذه الجريمة تمثل في جملة جاءت على لسان شفيقة، حينما اختزلت كل مبادئ الرجولة في تيمور بعبارتها “راجل يعني تيمور”، وهو ذاك الشخص – تيمور – الذي زخرت مشاهده بكافة أشكال القمع النفسي لشخصية البطلة.
فالبطل الذكر يرى في شريكته الأنثى تابع له، تخضع لقرارته، وتنساق لإرادته، في سلوكها وملبسها، يستنكر أي محاولة تثبت من خلالها استقلاليتها، أو تسعى عبرها للتأكيد حقوقها كفرد مجتمعي، بل يصل به الأمر إلى مساومتها بنجاحها، فشرط الزواج كان إسقالتها، لينتصر الفيلم في النهاية للثقافة الذكورية المترسخة، ويعيد الأنثى لمكانها الطبيعي (البيت).
وللمفارقة المحزنة أنه في عام 1966 أي قبل ما يقرب بـ 50 عام من عرض فيلم تيمور وشفيقة تم إنتاج فيلم “مراتي مدير عام”، بطولة كلاً من صلاح ذو الفقار وشادية، فرغماً من تشابه القصة بينهما إلى حد كبير إلا أنه شتان بين تأثيرهما، ورسالتهما التي أبرزتها النهاية، فنهاية الأخير كانت أكثر تقدمية، وأبرز في إيجابيتها، حيث أنه دعا بشكل ضمني للمشاركة بين الجنسين، وإعلاء قيم المساوة بينهما، وتحفيز المرأة للمشاركة في العمل العام، والسعي لتغير صورتها النمطية السلبية، بما يرتقي بها وبالمجتمع ككل باعتبارها أحد أسسه ومقوماته.
ولاد رزق 2
“تتطلقي مين يا بت، دا أنا أخلع راسك وأركبها على دولفين”، بهذه الجملة التي وجهها رضا (أحمد عز) لزوجته (نسرين آمين) بعد أن صفعها على وجهها، تمكن بطل فيلم “ولاد رزق 2” من انتزاع ضحكات حضور الفيلم في دور العرض المختلفة، ونظرات إعجابهم، وخاصة الشباب منهم والمراهقين، إذا أن الأمر يتعدى كوميديا الأفيه إلى كوميديا سوداء.
فالعنف القائم على الهيمنة الذكورية تحول من معنوي إلى مادي، وأصبح له قاعدة جماهرية تدعمه أكثر مما تتصدى له، وتطلبه أكثر مما تستنكره، والخطورة لا تقف عند هذا الحد، بل تكمن في أن الضحية أو من يقع عليها ذلك النوع من العنف هي أكثر المحتضنين له.
فبمجرد عرض الفيلم سرب على الفور ذلك المشهد، وزخرت صفحات التواصل الاجتماعي به، وخاصة صفحات التجمعات الأنثوية، مصحوب بعبارات تمتدح ذلك السلوك، وتصوره بالسلوك الرجولي، ولا تستنكر أبداً ذلك العدوان الصارخ في حقها، وترى أن عنف الحبيب أو الشريك كلما زادت وتيرته، ومستواه كلما عبر عن مكونات رجولته، ومدى حبه.
ومن هنا تنجلي خطورة المشهد، حيث أصبح المشاهد امتداد عضوي للبطل، فالشاب المراهق يرى نفسه رضا بعنفوانه لإبهار شريكته وإثبات رجولته، أما الفتيات يضعن أنفسهن محل زوجته التي تأكدت من حمية شريكها ومدى حبه لها عبر صفعها وإهانتها.
فبفعل جملته استطاع أحمد عز أن يرسخ لمفهوم جديد للرجولة، يعكس تغير المزاج العام والموروث الثقافي من ناحية، ويشي بانعكاسات مستقبلية أكثر خطورة من ناحية أخرى، وهو ذلك المفهوم الذي اختزلته بعض الفتيات على مواقع التواصل بـ”الراجل الحمش”
الهيمنة الذكورية من الصورة النمطية للواقع
يؤشر المزاج العام المتعاطي مع قضية الهيمنة الذكورية، وما ينتج عنها من عنف قائم على فكرة تفوق الذكر على الانثى إلى أن المجتمع بات متقبلاً لهذا السلوك الذي كان من قبل مشيناً ومستنكر، ولعل السينما كان لها دوراً هاماً ومحورياً في استيعاب ذلك المفهوم.
ولعل نجاح الأعمال الفنية في تصوير العنف الذكوري كأحد مقومات الرجولة يرجع إلى قدرتها المذهلة في خلق رأي عام يروج لقبول المرأة للجنس الآخر بذلك المفهوم المنتقص لحقوقهم، والطاعن في أي محاولة لإثبات ذاتها، بل بلغ ببعض الأعمال أن جعلت هيمنة الذكر أحد متطلبات الأنثى، ومقومات نجاح العلاقة بينهما، فصور المساوة ندية، تخلق من التصادم ما يؤدي لتفكك العلاقات وفشلها.
ومع توالي الأعمال الممجدة والمسوقة للرجل الذكوري المعنف لشريكة حياته يترسخ في نفوس الأجيال بتعاقباتها البنيات الأساسية التي يمكن من خلالها قبول الهيمنة الذكورية، وهو ما يصل بنا في نهاية المطاف إلى تبني الأنثى وجهة نظر الذكر المعنف.
وهو الأمر الذي ينسف أي محاولات مجتمعية تقوم بها الجمعيات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني من أجل بسط قيم المساوة بين الجنسين، وإعلاء مبادئ تحرر المرأة من قيود المجتمع الواهية، وإقامة العلاقات بين الجنسين على أسس الاحترام المتبادل وتكافؤ الفرص.
تتبدّى الملامح العميقة لإعادة إنتاج الهيمنة الذكورية على النساء، حينما نلمس أنّ المهيمَن عليهن يتبنّين وجهة نظر المهيمِنين ومقولاتهم، لينتهي الأمر إلى نوع من تبخيس الذات.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
نفس الأمر يحدث و لكن على جانب آخر
فبمُشاهدة الأفلام الأجنبيه سنجدها تُرسخ لفكرة التطور مثلاً كحقيقة
أو تُحاول نشر الإباحيه و الشذوذ
فى النهاية السينما ليست إلا أداة إعلامية لنشر أفكار مُعينة لأصحاب رؤوس الأموال