مراجعة لعبة الحبار Squid Game: بين نظرية الرغبة وصراع النفس البشرية

دعونا نبدأ باستفسار بسيط، أيهما أكثر صدقًا؟ السجن أم العالم الذي نعيش فيه؟ أيهما الوجه الحقيقي للحياة؟ العالم المفتوح الذي تزورك فيه الشمس يوميًا ولكنك ربما تستطيع فيه إخفاء حقيقتك عن البشر أم حياة السجن التي لا تخفى فيها الحقائق؟ فالقاتل لا يمكن أن يوصف بغير صفة القتل والسارق لا يمكن أن يوصف بغير صفة السرقة وكذلك الفاسد والعاطل والقواد والمديون.

ثم نطرح سؤالًا آخر إذا كانت حياتك الخارجية مفعمة بالمشاكل وربما ينتهي بك المطاف في نهايتها بالقتل أو بالزج في السجون نظرًا لكثرة ديونك، فما قولك إن عُرض عليك من رجل أعمال لا تعرفه أن تشارك في مجموعة من الألعاب ولكنك ستقامر بحياتك؟ نعم ستقامر بحياتك عن طريق مجموعة من الألعاب وخسارتك فيها تعني الإقصاء ولكن ليس من اللعبة بل من الحياة أجمع، وعندما تقبل عرض الألعاب من الجهة المختصة بذلك سيكون أمامك اختيارين إما استكمال رحلة الألعاب التي ستهدد فيها بالقتل المستمر ولكن ربما في النهاية تفوز بالمال الذي ينقذ حياتك أو الرجوع إلى حياتك البائسة هربًا من الموت الذي ربما ستلقاه في المستقبل!

من هنا انطلقت أحداث مسلسل لعبة الحبار squid game الكوري الجنوبي المعروض على شبكة نتفيلكس بهذه الجنونية، مجموعة أشخاص لم تعد حياتهم الطبيعية جديرة بالذكر ومحففون فيها دائمًا بالمخاطر ولكن لكل منهم فرصة لإيحائها مرة أخرى عن طريق قبول الدخول في منظومة الألعاب تلك، وكانت لمحة ممتازة في السيناريو أن يوضح لك كمشاهد مدى ضعف وتهميش أولئك الناس عن طريق قبولهم الصفع على وجوههم بدلًا من دفع ١٠٠ ألف وون في أحد الألعاب التي فيما بعد تجعلهم يقبلون الذهاب إلى ذلك العالم الذي لا يعرفونه.

لكل عالم قواعده وبالتأكيد كان لهذا العالم الخفي في مسلسل لعبة الحبار squid game قوانين يجب اتباعها، لا يحق للاعبين التراجع عن اللعب بعد الموافقة ولكن يحق لهم الخروج من اللعب أحياء إلى عالمهم الخارجي بتصويب الأغلبية.

وبالطبع ما إن اكتشف هؤلاك الأشخاص أن القتل مصير الخاسر صوتوا على إنهاء تلك الألعاب وهو ما سمح لكل من اعترض على استكمال اللعب العودة إلى حياته كما كان من قبل، ولكن وبعد أيام من اكتشافهم أو بالأحرى تأكدهم أن حياتهم لا حياة فيها يقرروا ولكن تلك المرة برغبتهم التامة العودة إلى استكمال اللعب دون الخوف من الموت.

وعلى هذا النحو تسير الأحداث بنا في مسلسل لعبة الحبار squid game في تصاعد دائم وتطور مستمر في الشخصيات وتفاعلهم مع كل لعبة فمن كانت تبحث عن الخروج لترى ابنها وتعطي له اسمًا عادت بمحض إرادتها ولم تعد تخاف الموت كما كانت، وحتى الرجل العجوز الحكيم الذي ينتظره الموت نظرًا لمعاناته من ورم في المخ يعود ليعيش أيامه المتبقية بمزيد من الإثارة وبابتسامة لا تفارقه، جميع الشخصيات تلحظ فيها جزءًا من الإنسانية حينما يتطلب الأمر وجزءًا من ظلام النفس في أحيان كثيرة.

مشاهد تلمس النفس البشرية وتباغتها وفيها من الصدق الكثير فأكثر الناس إيمانًا أكثرهم افتراءً والأكثر ذكاء ونجاحًا في الماضي أصبح يُطارد بنجاحه السابق ويستخدم مكرهًا من أجل البقاء، الجميع تقريبًا مهما بدا مسالمًا وواضحًا تظل نفسه وسوداويتها الأكثر نفوذًا، خداع مستمر وقتال دائم من أجل الرغبة في البقاء.

في ظل هذه الأحداث في مسلسل لعبة الحبار squid game وبالتوازي يشارك في الخط الدرامي أحد رجال الشرطة الذي يبحث عن أخيه المتغيب منذ أسبوع أو أكثر وبحيلة ما يستطيع الدخول إلى هذا العالم وأحد أكثر مميزات العمل هو التسلسل الذكي فربما تقدر على أن تستشف نهاية كل مرحلة ولكن الطريق إلى هذه النهاية مليء بالمفاجآت والحيل التي تجعلك مندهشًا ومترقبًا في أغلب الوقت.

يخاطب مسلسل لعبة الحبار squid game النفس البشرية بصورة مباشرة وواضحة ويستدرك معاني ذات طابع فلسفي كالرغبة وصراع الذات ودعني أوضح لك ما الذي تعنيه كلمة الرغبة: هي قلب الوجود الإنساني ومحرك الإنسان الخفي في حياته خصوصًا الرغبة اللاواعية والتي هي جنسية بالكامل كما يدعي جاك لاكان. الرغبة هي التي تنتج عن العوز أي الحاجة والتي دائمًا ما تبحث عن الكمال والإشباع، فالرغبة في البقاء هي العنصر الأساسي في تحريك الشخصيات ويتضح ذلك بشدة حينما يتواجه اثنان فقط وجهًا لوجه في أحد الألعاب تظهر هنا وبوضوح أثر الرغبة والغريزة في تفضيل النفس على الغير وتحكم رغبة الإنسان وغريزته واستخدامه للحيل مهما كانت وقحة من أجل بقائه.

الرغبة في الفوز بالمليارات، الرغبة في النجاة، الرغبة في القتل، الرغبة في الهرب أو حتى الرغبة في المساعدة وتبادل مناوبات الحراسة واقتسام الطعام، جميعهم ينتمون لنفس المصطلح فالغربة تعمل في جميع الاتجاهات إما بطريقة إيجابية نافعة أو بطريقة سلبية مدمرة، ولكن يظل الشيء الوحيد القادر على الانتصار على الرغبة وتحجيمها نهائيًا هو الموت الذي يسعون جميعًا لتجنبه.

في كل مرة تواجه أحد الشخصيات في مسلسل لعبة الحبار squid game الخطر تدفعه رغبته إما بالقتال أو الانتقام أو حتى الهرب وهذا يقودنا إلى مصطلح الصراع مع الذات فالمتسابقون يعجون بالتناقضات والتي هي سبب شقائهم ولكن في لحظة صدق وإدراك أنه لن تجدي المقاومة نفعًا فبالإمكان أن ترمي الكرة الزجاجية وتعطي صديقتك فرصة للبقاء ما دامت استحالت فرصتك في النجاة تمامًا كما فعلت جي يونغ وفضلت بقاء صديقتها كانغ ساي بيوك.

صراع الذات يكمن صعوبته في محاولتك أن تشعر بالاحترام تجاه نفسك أن تقبل ذاتك رغم قبحها وتحكم الرغبة فيها فكلاهما متشابكان وربما يلجأ الإنسان حينها إلى بعض حيل الدفاعات النفسية كالتماهي فتحاول أن تنضم لمجموعة لا تشبهك أو تشبهها ولكنك تشعر معها بالأمان أو معها سيمكنك تحقيق ما لا تقوى عليه ونلحظ هذا بوضوح في اللعبة التي طلب من المتسابقين أن يتحدوا سويًا لتكوين مجموعة مكونة من 10 أفراد.

تحدثنا سويًا عن تركيبة عناصر العمل الدرامي وتسلسل الأحداث ومن ثم الإسقاط النفسي ولكن يبقى جزءًا لا يمكن إغفاله ألا وهو الإخراج وتناسق الألوان فالكثير من المشاهد أخاذة على المستوى البصري، وبعض الصور الإخراجية كانت تحمل في ثناياها معاني رمزية قوية، كما أن الموسيقى التصويرية كانت ملائمة ومتناسقة مع المشاهد.

لعب بارك هاي سو دوره بإتقان تام وبانفعالات وتعبيرات قوية، كذلك واي ها جون وهويون جونغ، كما سمحت أفكار السيناريو وأسلوب الحوار فتح بعض المواضيع الجانبية كالعنصرية والمساواة وغيرها بالطبع لم تأخذ حيزًا كبيرًا ولكنها تظل إضافة بجانب فكرة العمل ومبادئ التشويق.

هذا العمل الدرامي يخاطب الضمير الإنساني ويبين لك هرمية المجتمعات وصعوبة الحياة واستحالتها أحيانًا وأنه ربما فرصتك الوحيدة تكمن في الخلاص، عمل لا يمكن تجاهله كما لا يمكن تجاهل مشاهدة الصناعة الكورية السينمائية التي كانت وما زالت تتألق، مسلسل سيغوص معك في أعماق النفس البشرية أتمنى لك مشاهدة ممتعة ولكن أحذر أن تشاهده وأنت تعاني من الديون.