الدراما السورية .. تجارةٌ تخلع ثوبها لمن يدفع أكثر!
5 د
الواقع المرير لموسم
الدراما السورية 2015
يتحدث النقاد والمتابعون عن الزمن الجميل للدراما السورية في ظل الانحطاط والإسفاف الأخلاقي والفكري الذي يجتاح الشاشات العربية هذا الموسم، ويستذكرون ماضٍ ليس بالبعيد لأعمال تواكب الألم السوري بشكل حقيقي وصادق، فماذا عن هذا الزمن الجميل؟ هل كان له وجود على أرض الواقع؟ هل يُعتبر النتاج الحالي خارجاً عن السياق الدرامي السوري؟ والعديد من الأسئلة الأخرى التي تحوم في ذهن المتابع التلفزيوني.
تجارةٌ عاهرة تخلع ثوبها لمن يدفع أكثر
يتّفق الكثيرون، وربما الجميع، على أن ما يُقدّم حالياً في موسم الدراما السورية 2015 لا يرقى لأن يكون فنّاً، مؤكدين أن مهنة الإبداع تحولت إلى تجارةٍ (عاهرة) تخلع ثوبها لمن يدفع أكثر، ولكن أليس ذلك هو نفس الوضع في عقدٍ مضى؟ والأعمال التي كانت تقدم في مطلع الألفية هي ذاتها التي تُقدّم الآن مع اختلاف طريقة الإبهار والزخرفة؟
اقرأ أيضاً: تريد مشاهدة كونان؟ بهذه الطريقة يمكنك مشاهدة أقل من نصف الحلقات المعروضة بدون تأثير على القصة
فالأعمال التي انتهجت سياسة الأجزاء لم تختلف في مضمونها في السنوات العشرة الأخيرة، كما حدث ومازال يحدث مع (باب الحارة)، (بقعة ضوء)، وغيرها، فيما استنسخت أعمال أخرى تلك التجارب شكلاً ومضموناً بمسلسلات فقيرة وفارغة من أي محتوى فكري أو حياتي أو ثقافي، أو حتى ترفيهي كـ (طوق البنات، الغربال) وغيرها..
كانت الدراما السورية ومازالت فقيرة فكرياً وتفتقر للنضج الفني والتقني، مفلسة على مستوى الأفكار، وطروحاتها موجهة لخدمة جهة معينة أو لإضفاء إثارة ما مهمتها التسويق والربح فقط، والموسم الحالي لا يُعتبر (وحيداً) بمستوى متدني، ولكنه يمكن أن يعدّ الأدنى في السنوات العشرة الأخيرة.
اقرأ أيضاً: أهم الأفلام الهندية في 2017
استنساخ وإفلاس!
بدى الإفلاس في الأفكار واضحاً في الموسم الحالي، فتوجّه العاملين في الدراما السورية إلى تقديم مسلسلين مقتبسين عن التحفة العالمية (العرّاب) لكل من ماريو بوزو وفرانسيس فورد كوبولا، وهما (العرّاب) كتابة حازم سليمان، إخراج المثنى صبح، إنتاج سما الفن، والثاني (نادي الشرق) كتابة رافي وهبي، إخراج حاتم علي، إنتاج كلاكيت، خير دليل على ذلك الإفلاس، ويؤكّد أن العامل التسويقي والربحي هو الأساس.
وبغض النظر عن مستوى العملين والذي اختلف عليه النقاد وبعيداً عن فكرة الاقتباس الرائجة في العالم أجمع، فإن توجّه دراميون سوريون إلى هذه الطريقة يثبت حالة الاجترار والتواضع السائدة. فرغم أن المجتمع السوري خصوصاً والعربي عموماً يحوي القضايا والمشاكل والطروحات الكثيرة والتي تنتظر المعالجة خاصة في هذه الفترة الشائكة، إلا أنّ هؤلاء ذهبوا لاستنساخ تجارب غربية في محاولة لإسقاطها على واقعنا وكأن مشاكلنا انتهت وقضايانا حُلَّت وعاداتنا عُولجت، وهذا الأمر غريب جداً ويحتاج إلى وقفة حقيقية ودراسة معمّقة لفهم حيثياته.
فجورٌ فكري وأخلاقي
بالتزامن مع غياب الأفكار والطروحات، وفي ظل غياب الاحترافية والنضج الفني، متابع الدراما العربية (السورية خاصة) هذا الموسم وفي المواسم العشرة الأخيرة (هنالك بعض الاستثناءات القليلة التي لا تُشكّل قاعدة)، يمكن أن يلاحظ فجورا فكرياً مدعّم بحالة من الاستخفاف بعقل المشاهد ومشاعره، واستسهال وعشوائية في التنفيذ، كما نشاهد في مسلسل (دنيا 2) في هذا الموسم، وكما شاهدنا في (صايعين ضايعين، سيت كاز، بكرة أحلى، وغيرها) في مواسم سابقة.
إضافة إلى الفجور الفكري، سيلاحظ متابع الدراما السورية فجوراً من نوع آخر (أخلاقي) كما في مسلسل (عناية مشددة) هذا الموسم، أو مسلسل (صبايا) في مواسم سابقة، وغيرها الكثير.
هذا الفجور الأخلاقي الذي كان غائباً على مستوى المشاهد التمثيلية وحاضراً على مستوى النص، أصبح حاضراً هذا الموسم على المستويين، بطبيعة الحال استخدام كلمة (فجور أخلاقي) قد تبدو للبعض مُبهمة، وربما يتساءل البعض الآخر، هل هذا النوع من الأفكار حلال على الدراما الأجنبية وحرام على الدراما العربية؟
اقرأ أيضاً: أهم أفلام الأكشن والحركة في 2017
الجواب هنا بسيط، فالفجور الأخلاقي الموجود في الدراما السورية، لا يتعلق بمناقشة قضايا حساسة كالجنس خارج الزواج أو الخيانة أو العلاقات العاطفية أو المثليين أو غيرها من القضايا، ولا يتعلق أيضاً بتجسيد هذه القضايا تمثيلياً في المشاهد الجريئة وفي الحوارات، ولكنه يتعلق في طريقة الطرح وكيفية التنفيذ والتي غالباً ما تكون مبتذلة مليئة بالكليشيهات، تجارية، مُفرّغة من الفكرة، هدفها التسويق وإثارة الغرائز لا العقول.
فالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج موجودة في مجتمعنا، والخيانة والعلاقات العاطفية موجودة أيضاً، حتى المثليون موجودون في مجتمعاتنا، والتطرّق لهذه القضايا ليس فقط مقبول بل مهم وضروري، في سبيل معالجتها بطريقة صحيحة وفعّالة، لكن ما تفعله الدراما السورية هو استغلال القضية أو المشكلة بطريقة مبتذلة لخدمة الجهات التسويقية وهو تماماً ما حدث مع مسلسل (عناية مشددة) خاصة في مشهد الممثلة لينا كرم الذي أثار حفيظة المتحررين قبل المحافظين.
الزمن الجميل؟
بالعودة إلى الزمن الجميل، وهو مصطلح استخدمه عدد من النُقّاد والصحفيين للإشارة إلى أعمال سابقة في نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، والملفت في هذا التعبير أنه يشمل كل الأعمال السابقة، ومن الممكن أن يُطلق هؤلاء بعد عشرة أعوام من الآن على الأعمال الحالية لقب (أعمال الزمن الجميل).
يعرف متابع الدراما السورية منذ نشأتها تماماً، أن لفظ (الزمن الجميل) هو عبارة عن ذر الرماد في العيون، فأعمال التسعينات لا فيها زمن ولا فيها شيء جميل، وأعمال الـ2000 كذلك، والأعمال التي تُعرض حالياً وفي العقد الأخير تطابق ما سبق.
اقرأ أيضاً: أهم أفلام الأكشن في 2018 حتى الآن
في الحقيقة هناك أعمال مميزة يمكن أن نحصيها على أصابع اليد الواحدة، ولكن بالمجمل معظم ما قدّمته عشرات لا بل المئات من الأعمال لا ترقى لأن تُسمّى فناً أو تسمى بـ (الزمن الجميل)، هي مجرد تجارة رائجة تلقفها مجتمع متعطش لأي جديد، وحال إدراكه لهذه المعادلة انفضّ عنها، وحوّل انتباهه واهتمامه لشيء آخر.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.