تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فيلم THE WHITE TIGER.. الصراع الملحمي بين العبد والسيد في الهند الحديثة

علي عمار
علي عمار

6 د


لم أكن أريد أن أرى ممثلًا ثريًا ناجحًا يلعب دور ذلك المستضعف من الطبقة الدنيا والذي سيفعل شيئًا مجنونًا في الفيلم. وقد أذهلني أدارش غورفا في الاختبار … لديه ابتسامة الفوز العظيمة، إنه ساحر للغاية وأنت تحبه على الفور. لكن إذا لم تنتبه ونظرت إليه مرة أخرى، فهو يحمل ليزرًا عليك ولا تعرف ما الذي قد يفعله – وكنت بحاجة إلى هذه الثنائية.  (مخرج فيلم The White Tiger “راهين باهراني” متحدثًا عن بطله)

فيلم The White Tiger الذي تم إصداره في جميع أنحاء العالم على عملاق البث التدفقي Netflix في 22 كانون الأول /يناير 2021، عمل حقيقي عن الهند، عن البرجوازية والبروليتاريا، يسبر أغوار الطبقية القاسية هناك.

كما ذكرنا أعلاه هو فيلم عن الهند، وليس فيلمًا هنديًا. وذلك لطبيعة جنسية عرّابيه، فالمخرج أمريكي، والإنتاج لشبكة نتفليكس، بالشراكة مع شركات هندية أخرى.

من المعروف أن السينما الهندية تتضمن أكثر من شكل سينمائي، لعل أبرزها مايعرف بسينما بوليوود؛ السينما التي اعتادت على إبهارنا بصريًا، من خلال ما تقدمه من استعراضات مبهرة مع عدد كبير من الراقصين، أعمال صاخبة بالأغنيات، وقصص الحب المعقدة. حكايات تتناول جوانب الخير والشر بطرق مختلفة، ولكن بأبهى حلة غالبًا. إلا أن “النمر الأبيض” حكاية مختلفة موجعة عن الهند برؤية عالمية.


يُولد مرة كل جيل

فيديو يوتيوب

استنادًا إلى رواية الكاتب “أرافيند أديجا” التي تحمل العنوان نفسه The White Tiger، حصل عنها على جائزة البوكر الدولية عام 2008، يأخذنا المخرج الأمريكي الإيراني “رامين باهراني”، إلى رحلة ممتعة في الهند عبر فيلمه الملحمي، والذي يصور من خلاله النزاع الطبقي القائم هناك، بين الهند المنوّرة للأغنياء، والهند المظلمة للفقراء (كما يعرف البطل بلاده)، والتشوه العميق الحاصل في الروح البشرية.

يحاول باهراني كما عودنا في تحفه السينمائية، أن يكون صوت من لا صوت لهم، وأن يدافع عن إنسانيتهم ويترجم صرخاتهم، بلغة السينما، القادرة على اجتياز القارات.

في إحدى مشاهد الفيلم الأولى، يصف المعلم بالرام الطفل بالنمر الأبيض، لأنه أعجب بذكائه، وبقوة شخصيته. ومن المعروف أن النمر الأبيض من الأنواع النادرة، لدرجة أنه يولد مرة واحدة فقط في كل جيل. وهو نتاج تزاوج نمرين برتقاليين يحملان طفرات جينية، تسمى الأليلات.


رحلة صعود أم اقتناص فرص؟

يقص علينا بالرام “أدارش غوراف” حكايته من خلال رسالته الموجهة إلى رئيس الوزراء الصيني “وين جياباو”، الذي ينوي زيارة الهند قريبًا. يعرض لنا حياته البائسة في بلدته “لاكشمنغار”؛ الفقر المدقع والعوز، وخسارته فرصة التعليم في العاصمة دلهي، بسبب رفض جدته الجامحة لذلك، رغبةً منها للاستفادة منه بالعمل في محل الشاي.

لاكشمنغار بلدة ليست تحت خط الفقر وحسب، بل تحت خط الإنسانية، منسية ومهملة من قبل الدولة، يحكمها رجل ثري يدعى اللقلق “ماهيش مانجريار”، يستغلها ويسرق محاصيل أهلها.

شبان هذه المنطقة، لا طموح لديهم، ولا نزعة محسوسة في داخلهم، للمضي نحو التغيير، والتحرر من الجهل والظلم والعبودية. إلا أن بالرام على عكس ذلك، تتملكه رغبة من الانفلات من القيود الأسرية، والأعراف والدين الهندوسي (الذي ينتقده كثيرًا) والظروف التي تلجم حريته كإنسان. فهو ذكي وطموح وقابل للتعلم بسهولة. لكن أقصى طموحاته أن يصبح سائقًا لعائلة ثرية، وأن يكون عبدًا للسيد الذي يتمتع بمظاهر الحضارة، والترف. حيث يأخذ من جدته 300 روبية من أجل دورة لتعليم السياقة، لكي يتمكن من العمل كسائق عند السيد أشوك “راجكومار راو” وزوجته بينكي “بريانكا شوبرا”. أين النزعة للتحرر من العبودية في شخصيته إذًا؟!

يتعرض بالرام إلى الكثير من المواقف القاسية خلال رحلته التي يعتقد أنه من خلالها يخرج من “قن الديوك”، لكن القن الذي خرج منه، هو قن القبيلة والطائفة، أما قن الأسياد، لم يتحرر منه بعد! هل بمقدوره يا ترى؟ وهو القائل: “الرغبة في أن أكون خادمًا كانت مزروعة في داخلي”.

رغم المعاملة الجيدة التي يتلقاها من أسياده المتحضرين على الطريقة الأمريكية، إلا أن ثقافتهم الهندية الرجعية المختبئة، والمسيّجة بهالة الثقافة الأمريكية المدعاة، تظهر وتتجلى في الكثير من المواقف. ففي إحدى الحوارات يصفه أشوك بالإنسان غير المكتمل.

في موقف آخر تتم محاولة اسغلاله وزجّه في قضية قتل، لا يد له فيها. كما يتعرض له أشوك بالضرب كلما فقد عقله، وتعصّب على أمرٍ ما. الأمر الذي يحرك كرهًا دفينًا في نفس بالرام، لكنه لا يُظهر ذلك، فهو سيده وولي نعمته، أما بطلنا فليس سوى عبد مستضعف.


بين الأداء المثالي والنص المحكم

جاء أداء الممثل “أدارش غوراف” لشخصية بالرام قويًا ومقنعًا، كان محنكًا في طريقة تصرفه بالشخصية، ولعبه على تفاصيل دقيقية في لغة الجسد، أخرجتها بطبيعية مفرطة وصادقة، تضيع بين ذكائه وسذاجته، خنوعه كشخصٍ مخصي في كرامته، ولطفه وغدره؛ إنه الأداء المثالي بالفعل.

أما المخرج “رامين باهراني” الذي كتب سيناريو الفيلم أيضًا، تمكن من نسج الحكاية ونقلها إلى الشاشة الذهبية، نصًا وإخراجًا، بحرفية متقنة ومحكمة، تدفعك للتفكر قليلًا لبرهة من الوقت، في ظل كل ما تراه أمامك من فساد سياسي واجتماعي وأخلاقي.

تدهشك اللا إنسانية، تغضبك، لكن لا يدفعك كل ذلك إلى ترك العرض، بفضل الأسلوب التراجيكوميدي في إخبار ونقل أحداث القصة، والطرح النفسي العميق للشخصيات، وتحديدًا شخصية بالرام المعقدة في تركيبتها رغم بساطة ما هي عليه، أو ما شاهدته أنت، لا يمكن التعاطف معه بعد أن اختبرت حكايته، لكن تتماهى مع حالته الإنسانية، وليس قضيته.

هو إنسان أناني، لا ينتفض أو يتمرد من أجل عائلته أو أهل قريته، بل من أجله هو، وفي مشهد في الجزء الأخير من الفيلم، يتضح لك أنه صورة مستنسخة عن سيده أشوك، عندما ضرب طفلًا بريئًا، لمجرد أنه نقل له خبرًا لم يسر خاطره.

كانت الصورة السينمائية تترجم الصراع بين الأسياد والعبيد، باختيار موفق للكادرات التي تعبر عن كل حالات أبطال الفيلم، والجو العام للقصة، وفي استخدام مشهديات إنسانية تخاطب المشاعر. بالإضافة إلى العديد من المقولات التي طرحت على لسان بطلها، وتستحق الوقوف عندها مطولًا.

أما بالنسبة للبطلة “بريانكا شوبرا“ فكان أداؤها سطحيًا بمجمله، والغريب في الأمر أنها هي من سعت للتواجد في الفيلم بعد أن علمت بنية تحويل الرواية إلى فيلم، لكن حضورها أتى ليعزز الفيلم تجاريًا فقط، وزوجها أشوك كذلك الأمر “راجكومار راو”.


حكاية متألقة بشكل قاتم

حصل فيلم The White Tiger، على نسبة 91% من تقييم النقاد على موقع Rotten Tomatoes. حيث اعتبر الناقد “مارجوت هاريسون” أن “النمر الأبيض” إنتاج أنيق ومبهج، ولكن ما يجعله ناجحًا هو إنسانية بالرام القذرة والمتضاربة.

أما الناقد “ستيفن جاريت” فيقول: “العمل عبارة عن حكاية متألقة بشكل قاتم عن الاضطهاد الطبقي والتنازلات الأخلاقية التي تربح بأي ثمن في النهاية. تزأر وتلدغ بنفس الشدة، لكنها تتميّز أيضًا بأسلوب سردي مصقول وبسيط، ولكن غير لطيف”.

ذو صلة

كما أشاد الناقد “ريتشارد لوسون” بالتمثيل، والإخراج والسيناريو، قائلًا إن المخرج باهراني نقل الرواية الشهيرة إلى الحياة. أما الناقد “كوينتون روبرتس” فكان له رأي مغاير تمامًا حيث كتب: عندما شاهدت نضالات بالرام، شعرت بالسوء تجاهه لكنني لم أستطع التعاطف معه بسبب الحوار. لقد كان ثقيلًا جدًا وجعل من الصعب الاستمتاع بجوانب الفيلم، وخاصة العاطفة منها.

اقرأ أيضاً: أبشع تجليّات التفاوت الطبقي عبر مختلف محطات التاريخ: حتى البغايا والموتى كان لهم نصيب!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة