تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فنانون في مرمى الانتقادات.. مطرقة الأخطاء أم الضغط الإعلامي؟

أراجيك فن - فنانون في مرمى الانتقادات.. مطرقة الأخطاء أم الضغط الإعلامي؟
ساندي ليلى
ساندي ليلى

20 د

يعدّ مهرجان البندقية السينمائي واحداً من أبرز وأهم مهرجانات الأفلام حول العالم وأكثرها انتظاراً حيث يستضيف المهرجان كل عام نخبة من صناع وأهل الفن السابع لعرض أعمالهم للمرة الأولى ضمن الفعاليات التي يتسابق الصحفيون والنقاد لتغطيتها، لكن مهرجان البندقية الـ 81 حمل مفاجأة من العيار الثقيل هذا العام.

إذ أعلن أن هذه الدورة ستستضيف أفلاماً لمخرجين لاحقهم الإعلام والقضاء لأعوام حتى تحولوا من أساطير السينما إلى ما يصفه البعض بمنبوذي هوليوود!

عرض المهرجان فيلم المخرج الأسطوري وودي آلين الذي حمل اسم Coup de chance وهو فيلم فرنسي اللغة في عرض أول، عام 1992 اتهم وودي آلان بالاعتداء الجنسي على ابنته بالتبني وهي اتهامات لم توجه له بشكل رسمي إطلاقاً ونفاها "وودي" تماماً لكنها كانت سبباً كافياً لنبذ مخرج مانهاتن الشهير الذي أصبح يواجه مشاكل حقيقية في الإنتاج والتوزيع.

إذ يبدو أن شركات الإنتاج لا ترغب في التعامل معه نظراً لسمعته الملطخة بوسم متحرش ومعتد، إضافة إلى وودي آلان عرض المهرجان فيلم المخرج الأوسكاري رومان بولانسكي الذي حمل اسم The Palace مثل آلان اتهم بولانسكي بالاعتداء الجنسي على قاصر عام 1977 وحكم عليه بالسجن في أمريكا فهرب إلى أوروبا وبعد أعوام قرر القاضي إسقاط التهم عنه.

لكن وعلى عكس آلان لا يزال بولانسكي واحداً من ألمع مخرجي أوروبا وأكثرهم موهبة رغم اتهام 6 نساء أخريات له بتهم الاعتداء الجنسي، نال بولانسكي عام 2003 جائزة أوسكار عن فيلم The pianist لكنه لم يستطع تسلمها كما لم يستطع حضور مهرجان البندقية إذ أنه عرضة للاعتقال من قبِل حكومة الولايات المتحدة الأميركية.

وما زاد الجدل اَنذاك إعلان ألبيرتو باربيرا مدير المهرجان استضافة المخرج الفرنسي لوك بيسون وفيلمه الجديد Dogman للتنافس على جائزة الأسد الذهبي، وقتها تعرض بيسون لاتهامات من قبِل نساء بالاعتداء الجنسي والاغتصاب الاتهامات التي نفاها بيسون تماماً لكن ورغم إسقاط التهم عنه بقيت سمعته في حالة يرثى لها.

أثار وجود هؤلاء المخرجين الثلاثة سخطاً إعلامياً عالمياً وتم اتهام "باربيرا" بأنه يؤيد مجرمين مدانين لكن باربيرا بقي هادئاً ودافع عن قراره قائلاً: " يجب أن نفرق بين الرجل والفنان؛ إن تاريخ الفن مليء بالفنانين الذين كانوا مجرمين ولا نزال مع ذلك معجبين بأعمالهم".

ويبدو أن رد باربيرا العقلاني الهادئ أثار امتعاض بعض النقاد والصحفيين فوجدوا في مقالاتهم النقدية فرصة لتنفيس غضبهم وقدموا مراجعات نقدية أبعد ما تكون عن أبرز أسس النقد الفني الحيادية، حتى إن بعض هذه المقالات لم تكن مراجعات فنية بقدر ما كانت استعراضاً لتاريخ هؤلاء المخرجين الملوث رغم أن كلاً من بولانسكي وآلان تجاوز الثمانين من عمره ولربما يكون هذا آخر ما قد يقدمانه في مسيرتهما.

كان فيلم "بولانسكي" الأكثر تعرضاً للهجوم إذ وصف بألفاظ قاسية وأن الكوميديا التي احتواها كانت سطحية سخيفة، إلا أن القليلين ممن كانوا أكثر عقلانية وعلى قدر المسؤولية وقدموا مراجعات نقدية منطقية خالية من أي تحيزات مسبقة أو اكتراث بشخص صانع العمل وقرروا أن هذه الأعمال بغض النظر عن صانعها أعمال جيدة ممتعة، بل إن فيلم بولانسكي سيصبح بعد أعوام مرجعية كوميدية قوية بحسب وصفهم.

لو كنت تظن أن ما حدث في مهرجان البندقية السينمائي هو حدث فذّ فإنك على خطأ؛ إذ أن هوليوود ومنذ أعوام تنبذ بعضاً من مشاهيرها وتحيلهم إلى قبضة الإعلام التي لا ترحم إمًا بسبب مشاكل قضائية كما حدث مع جوني ديب الذي اتضحت براءته من تهمة الإساءة إلى زوجته السابقة آمبر هيرد بعدما تخلى عنه عالم الفن فوراً بمجرد ظهور الشائعات والأقاويل.

أو بسبب آراء معينة لا تعجب سياسة هوليوود الإعلامية كما حدث مع المخرج والممثل ميل غيبسون الذي يتعرض منذ أعوام لمضايقات وانتقادات تعسفية بسبب اتهامات بمعاداة السامية وغيرهم الكثير، لقد دفعتنا الأحداث الأخيرة في البندقية وتلك المراجعات النقدية الجارحة إلى طرح سؤال مهم اليوم في "أراجيك فن"؛ ألا وهو هل ينبغي على الناقد الفصل يين العمل وصانع العمل أم أن خطايا المبدع تنعكس على عمله الفني؟

للإجابة على استفسارنا الشائك هذا طرحنا السؤال على الناقد المصري محمد عبد الخالق الذي يصرح لأراجيك فن؛" أعتقد أنه آن أوان أن ننظر إلى موضوع العلاقة بين الحياة الشخصية للفنان ومنتجه الفني بنظرة أكثر موضوعية من تلك التي تربط بين حياته الشخصية وتفاصيلها وبين ما ينتجه من أعمال فنية، يفترض بالناقد أن يكون أكثر وعياً وقدرة على الفصل بين الحدود الفاصلة بين حياة شخص ما وبين منتجه الفني، فتقبل تصرف وسلوك شخص ما حتى لو كان فناناً لا علاقة له بالنقد من قريب أو بعيد".

 ويتابع "عبد الخالق" موضحاً موقفه الشخصي كناقد فني: "من الممكن أن أعترض على تصرف ما أو أرى تناقضاً ما بين ما ينتجه فنان وبين معتقداته الشخصية لكن تظل هذه الملاحظات خاصة به كشخص لا علاقة لها بالأعمال الفنية التي تخضع للنقد العلمي أياً كانت مدرسته أو اتجاهه والتي ليس من بينها محاسبة الفنان على حياته الشخصية".

يتفق الناقد الفني خليل حنون معه؛ إذ يرى أنه "كناقد يجب الفصل بين الحكم على العمل وموقف أو حالة المخرج القانونية إذا لم يكن هناك قرار حاسم بشأنها، وإذا لم تكن تقع ضمن مفهوم الجرائم الإنسانية". كذلك يوضح موقفه مما حدث في مهرجان البندقية خاصة من الهجوم الحاد الذي تعرض له كل من وودي آلان ورومان بولانسكي.

يضيف "خليل" لـ "أراجيك فن": "بالنسبة لوودي آلان فقضيته حسمت في التسعينات بعد سنتين من التحقيقات ولم يثبت عليه شيء، وقد ظهرت وعادت ليس بناء على أدلة جديدة أو منسية إنما كلام بكلامأمًا بولانسكي فهو متورط بعلاقات جنسية مع قاصرات حاول تسويتها قضائياً في المحاكم لكن الإعلام استغلّها وأفسدها وهو ما صرحت به إحدى الفتيات".

لم نكتف بطرح السؤال على النقاد فقط بل طرحناه على مجموعة من المشاهدين الشغوفين بالسينما والذين رغم أنهم لم يدرسوا النقد بشكل احترافي، إلا أنهم امتلكوا خبرة تجريبية من نوع مميز.

 أبدى المهندس السوري يزن أبو رباح ذو الـ 27 عاماً موقفه من السينما بقوله "سأتكلم من وجهة نظر شخص محب للسينما أو يمكن أن نقول هاو للسينما، فأنا لم أصل لمرحلة أكون فيها ناقداً لأنني عملياً لم أدرس علم السينما بشكل معمق أو أكاديمي لأقول عن نفسي أنني ناقد، كشخص نشأ على حب الشاشة الكبيرة والصغيرة أرى أنه ينبغي اتباع مبدأ الفصل في الفن لأن الفن عملياً هو نتاج أفكار شخص ويمكن لهذا الشخص أن يسقط أفكاره الجيدة والسيئة ضمن سيناريو ما ليصبح فيلماً".

 وتابع "أبو رباح" في حديثه موضحاً نظرته الخاصة في النقد الشخصي:  "امتلك حالتين لتقييم العمل أو نقده فأنا أرى العمل من وجهة نظر عامة وهذا الأمر متبع عند أغلب الناس اللذين يرون الفيلم كمادة ترفيهية".

يضيف: "لكن بإمكاني أن أرى الفيلم من وجهة نظر أخرى هي نظرة المخرج والرسائل التي يحب أن يوجهها سواء كانت جيدة أم سيئة عن القضية، غاسبار نوي صور فرنسا بأبشع الصور وكأنها جحيم الله على الأرض من الممكن أنه يعرض حقيقة عاشها من منظوره الشخصي، لذلك يرى كثيرون أنه إنسان مريض وأفكاره مريضة وآخرون سيقولون أن أفكاره واقعية فهل أنا انتقد الفكرة أم صاحب الفكرة؟".

أمًا الدكتور السوري مجد دناور ذو الـ 24 عاماً يمتلك وجهة نظر مختلفة حيث تحدث "لأراجيك فن" عن رأيه قائلاً: " في الحالة العامة عندما ينتقد الناقد السينمائي عملاً ما يتمثل دوره في تحليل الجوانب المختلفة للفيلم وتقييمها بناء على معايير فنية ومهنية وعندما يقوم الناقد بإبداء الانتقادات فإنه يركز على العمل الفني نفسه بحيث يفترض أن يكون
.الانتقاد موجهاً نحو العمل الفني وعليه أن يشرك صاحب العمل بالنقد كونه أحد العناصر المساهمة في ظهور العمل"

 يتابع "دناور" فكرته عن أهمية وجود صانع العمل في مجال اهتمام الناقد: "يجب علينا إلقاء نظرة على صاحب العمل من المؤكد أن خطايا ومشاكل المخرج خارج أو داخل العمل تنتج ضجة وتثير الجدل، وبالتالي تؤثر على العمل الذي يقدمه وقد ينعكس تأثيرها على جودة العمل وأداء الطاقم مما قد يدفعه لاتخاذ قرارات خاطئة أثناء إخراج الفيلم بسبب تحيزاته أو رغبته في ترويج رؤيته الشخصية أكثر من تقديم قصة جيدة، بشكل عام الإجابة على هذا السؤال تعتمد على حالة وتجربة كل فرد ويمكن أن تختلف النتائج إيجاباً أو سلباً وفقاً للظروف والأشخاص المعنيين".

 قد يكون الناقد أحياناً صلة الوصل الأبرز بين المشاهد والعمل وليس خافياً على أحد أن أغلب المشاهدين ينظرون إلى تقييم العمل على مواقع مثل Rotten tomatoes أو IMDb قبل مشاهدته مما يطرح سؤالاً من نوع مختلف 


ما بين النقد والفنان، ما مدى تأثر المشاهد؟ 

لا يخفى على أحد حقيقة أن شركات الإنتاج تهتم بأرقام المشاهدات والإيرادات أكثر من اهتمامها بقيمة العمل الفني أو الممثل ودومًا ما تلجأ هذه الشركات إلى نبذ أي ممثل أو مخرج تحوم حوله شائعات وشكوك تمس سمعته والتي قد تؤدي إلى نفور المشاهدين من العمل وقد رأينا هذا يحصل أكثر من مرة.

إذ طردت نتفليكس كيفين سبايسي بطل مسلسلها الناجح House of cards بشكل مفاجئ بعد ظهور اتهامات بالتحرش الجنسي وألغت شخصيته المحبوبة؛ مما أدى إلى فشل ذريع للموسم الأخير ورغم إن كل هذه الاتهامات سقطت في المحكمة إلا أن سبايسي تحول إلى منبوذ هوليوودي ملوث السمعة لا يرغب أحد بالعمل معه.

أمًا جوني ديب فقد سارعت ديزني لطرده قبل التحقق من صحة الاتهامات الموجهة إليه خوفاً من انخفاض نسبة مشاهدات أعمالها.

في الواقع إن تجربة مشاهدة عمل فني سواء كان في السينما أو المسرح أو حتى التلفاز هي تجربة فردية في مجملها فمثلاً لو أنك جلست مع عشرة أشخاص لمشاهدة فيلم ما ستجد أن كل شخص منهم امتلك تجربة مختلفة تماماً عن تجربتك، فما الذي قد يدفع المشاهد لنبذ عمل ما ورفض مشاهدته؟

طرحنا هذا السؤال على نخبة من المشاهدين حيث يرى مجد دناور أن الأمر يتعلق بالتجربة نفسها إذ إنه "عندما نتجه لمشاهدة فيلم ما فإننا نبحث عن تجربة ممتعة وقد يكون هناك أسباب تجعلنا نتجنب مشاهدة فيلم معين بدءاً من النوع السينمائي الذي لا يستهوينا أو تفضيلنا لتوجهات فنية أخرى وصولاً إلى رؤيتنا الشخصية والقصص التي تعتبر غير جذابة بالنسبة لنا".

ويتابع "مجد" حديثه موضحاً دور الحياة الشخصية لصانع العمل بالنسبة له "مع ذلك يمكن للحياة الشخصية للمخرج أو الممثل أن تلعب دوراً في قرارنا بشأن مشاهدة فيلم ما فالمخرج أو الممثل هو الوجه الذي يمثل العمل بالنسبة للجمهور، إذا كان المخرج أو الممثل الرئيسي للفيلم شخصاً سيئاً بأي شكل كان مدمناً أو مجرماً فيكون لذلك تأثير كبير على قرار الشخص في متابعته، وهنا ندخل في مجال الأخلاق والإيديولوجيا الشخصية للفرد فقد يرفض دعم أو مشاهدة أعمال فنية لأشخاص غير المستحقين للدعم والاهتمام". 

يرى مجد أن شخصية صانع العمل تلعب دوراً في عدم مشاهدة شخص ما لهذا العمل أمًا الأستاذة نرمين علي ذات الـ 28 عاماً فتمتلك وجهة نظر مختلفة حول هذه الفكرة؛ إذ توضح معاييرها الخاصة عند مشاهدة عمل ما بقولها :" بالنسبة لي عندما أتابع أي فيلم ينصب أكثر اهتمامي على قصة الفيلم والأفكار التي تحتويه آخر ما قد أفكر فيه هو شخصية صانع الفيلم وأكثر ما قد يلفت نظري لمتابعة فيلم ما هو الشخصية الرئيسية، وعندما أشاهد التريلر الخاص بالعمل حينها أتخذ قراري".

 توضح "نرمين" فكرتها حول تأثرها بالنقد أو بشخصية صانع العمل عن طريق طرح مثال هو الممثل كيفين سبايسي حيث تابعت حديثها :" أنا لا أكرهه وحتى اليوم كل الاتهامات كانت إشاعات غير المثبتة، كما أن تمثيله جميل لذا أتابع أعماله لأني أحب تمثيله، فأنا لا أكترث إطلاقاً بحياته الشخصية طالما أنه يفصل بين شخصيته وتمثيله".

يتفق "يزن أبو رباح" مع "نرمين" حيث أكد أنه لا يمانع مشاهدة أي فيلم أو مسلسل لأسباب عديدة أبرزها :" الجهد، الجهد مهما كان بسيطاً أو تافهاً بالنسبة للكثيرين فأنا احترمه وأقدره ولهذا السبب أشاهد أفلاماً بتقييمات متدنية كي أشاهد بنفسي الرداءة في تقديم وصياغة الفكرة وهذا الأمر يجعلني أعرف قيمة العمل الجيد، لهذا السبب لا أمانع مشاهدة فيلم أو مسلسل ما تحت اعتبارات مثل مخرج لا أحبه أو ممثل سيء، يمكن لي تأجيله أو تحاشيه كنوع من الأولوية لا أكثر لكنني لا أمانع إطلاقاً مشاهدته".

 ويؤكد "يزن" فكرة مهمة بالنسبة له هي؛ " كل مسلسل أو فيلم يستحق فرصة وأنا ضد الحكم المسبق جملة وتفصيلاً" وعند سؤاله عما إذا كان يمانع مشاهدة أعمال لمخرج مثل بولانسكي متهم بجرائم اغتصاب أوضح يزن قائلاً :" طبعاً سأشاهده ما شأن اغتصابه بالفيلم الذي قدمه؟".

يفسر: "لو أردنا أن نقيس هذا الشيء بالمسطرة فإن 90% من الأفلام لن نشاهدها لأن هوليوود في بداياتها كانت غارقة في هذه الأمور، ولكن لم تكشف جميعها وهذه نظريتي الشخصية ولا يتم تعميمها أو إسقاطها على كل شيء، الفن وجد كي يعزلك عن حياتك الأساسية ويعطي الحياة لأفكارك على الشاشة لو كان فيلم بولانسكي سيئاً حقاً فالسبب سيكون أنه قد تم تقديمه بطريقة سيئة وليس لأن بولانسكي مغتصب".


بين مطرقة الأخطاء والضغط الإعلامي

يُقال إن قانون حمورابي كان أول قانون جنائي يسنّه البشر، يستحيل ألا تكون قد سمعت بجملة العين بالعين والسن بالسن هذه الجملة تلخيص بسيط لل282ـ مادة قانونية التي صاغها الملك الآشوري القديم، منذ ذلك العصر الغابر تغيرت قوانين المجتمع ولا تزال تتغير عاماً بعد عام قوانين تلغى وقوانين توضع تبعاً لتغير المجتمع.

لو نظرنا إلى هؤلاء الذين أطلقنا عليهم منبوذي هوليوود لوجدنا أن بعضهم تجاوزو الثمانين من العمر أي أن الأخطاء التي قاموا بها وقعت في زمن مختلف عن زمننا هذا، لا نقصد إطلاقاً الدفاع أو تبرير أفعال أي شخص كان إنما نود توضيح فكرة أن الزمن يتغير ولا يمكن محاسبة شخص ما أو عمل ما فقط لأنه أصبح بعد ثلاثين عاماً شيئاً منفراً إجرامياً وقد شاهدنا هذا يحصل مع فيلم هوليوود الأسطوري Gone with the wind الذي يروي أحداث الحرب الأهلية الأميركية من وجهة نظر الجنوب المنهزم.

بقي الفيلم الذي ظهر للعلن عام 1939 قرة عين هوليوود وأول فيلم ملون في تاريخ السينما الأميركية لكن وبعد مقتل جورج فلويد تفتق ذهن نقاد هوليوود واكتشفوا بعد أكثر من 70 عاماً أن ذهب مع الريح فيلم عنصري قذر ينبغي إخفاؤه عن عيون الأمريكيين وأنه عار على الصناعة بأسرها، لم يعد أي من صناع الفيلم على قيد الحياة لذا لا ندري حقاً من الذي يحاسب على هذا الفيلم بعد كل تلك الأعوام.

يقول الأمريكيون أن العدالة عمياء لكنهم يهملون حقيقة أن التحفيز والضغط الإعلامي الشديد كثيراً ما يؤثر في عدالتهم هذه، فمثلاً في قضايا أشخاص مثل وودي آلان أو جوني ديب أو رومان بولانسكي وغيرهم كانت المشكلة الأكبر هي الضغط الإعلامي الذي يرزح تحته القضاء الأميركي.

لذا فإن مواقفه الأخلاقية مشكوك بها نوعاً ما ومن المعروف لغالبية الناس أن هناك ارتباطاً وثيقاً ما بين القضاء والإعلام في أميركا ففي كل قضية من هذا النوع يسلط الإعلام الأميركي كل طاقته وإمكانياته لملاحقة وتشويه سمعة كل من يتعلق بالقضية حتى الضحايا من مبدأ جعل الجمهور عالماً بكل تفاصيل ما يحدث، لا شك أنك تذكر الاهتمام الإعلامي الواسع بقضية جوني ديب وآمبر هيرد حتى أن محاكمتهما تحولت إلى مسلسل ممتع، لكن لربما كانت خسارتهما لتكون أقل لو أن القضية تم حلها بعيداً عن الإعلام.

يوضح الناقد خليل حنون هذه الفكرة ضمن حديثه لـ "أراجيك فن" قائلاً :" بالنسبة لي الموقف الأوروبي القانوني والأخلاقي هو أكثر مصداقية من الأميركي الخاضع لاستغلال الإعلام". 

في الحقيقة وعندما ننظر إلى مواقف كل من وودي آلين ولوك بيسون مثلا فسنجد أن المحكمة برأت كلاً منهما لكن الجمهور والإعلام بقي مصراً على أنهما مذنبان حتى أن مسيرة وودي آلين الذي يعد واحداً من أبرز أساطير هوليوود كادت أن تندثر.

أمًا قضية بولانسكي فقد أخذت ضجة إعلامية ضخمة رغم محولاته للتسوية بعيداً عن الإعلام، لقد نسي الإعلام الأمريكي أن هناك ضحية هي سامانثا غايمر التي كانت مجرد مراهقة عندما بدأت القضية لقد خرقت خصوصيتها وتحولت إلى موضوع صحفي دمر حياتها.

كل هذا الضغط الإعلامي لم يؤثر على بولانسكي قدر ما أثر في سامانثا نفسها التي وصمت للأبد كضحية رومان بولانسكي، نعم بولانسكي ارتكب خطأ كبيراً منذ عقود طويلة وكان يمكن أن يتم حله بتكتم يحمي سامانثا غايمر من فضيحة مؤذية وكل الضغط الرهيب من قبِل الإعلام لقضية كان يمكن أن تدفن وتنسى ويدفع ثمنها بدلاً من أن تستمر كل هذه العقود بين صد ورد.

أمًا ميل غيبسون الذي لم يخطئ في حق أحد بشكل مباشر فقد واجه ويواجه حملات إعلامية شرسة وضغطاً شديداً من النقاد والجمهور على حد سواء منذ إخراجه لفيلم The Passion of the Christ حيث اتهم بمعاداة السامية والتمييز العنصري ولا يزال حتى يومنا هذا تحت ضغط إعلامي هائل رغم إنه لا يزال مخرجاً وممثلاً استثنائياً بدليل نجاح آخر أعماله The Continental الذي اضطر النقاد لمدحه رغم كراهيتهم العمياء لبطله.

يوضح الناقد محمد عبد الخالق ضمن حديثه لـ "أراجيك فن"، حقيقة ما يحدث لبعض الفنانين من نبذ أو تجريح بقوله: " هذه الأزمة جماهيرية في أغلبها وليست نقدية واتخاذ بعض المهرجانات أو المؤسسات مواقف معينة حيال أحد الفنانين يكون لأسباب جماهيرية بحتة لا علاقة لها بالجانب الفني".

يذكرنا رأي الصحفي "عبد الخالق" بما حصل مع جوني ديب الذي ورغم تبرئته في محكمة علنية من كل ما نسبته إليه طليقته آمبر هيرد إلا أنه لاقى هجوماً حاداً بعد ظهوره في مهرجان كان السينمائي الذي افتتح بالعرض الأول لفيلمه الجديد جون دو باري؛ حيث عبرت بعض المنظمات النسوية عن استيائها من الاحتفاء بجوني ديب بل إن بعض هذه المنظمات دعت لمقاطعة المهرجان بأكمله.

حظي "جوني" الممثل الموهوب باحتفاء جماهيري حقيقي في كان حتى أنه ذرف دموع السعادة بعد أعوام من النبذ والتهميش من قبِل هوليوود التي صدقت على الفور كذبات هيرد ودمرت مسيرة واحد من أبرز نجومها رغم إعلان براءته بشكل شبه كامل من قبِل المحكمة، لكن يبدو أن هناك طريقاً طويلاً وصعباً أمام جوني كي يعود إلى قلوب محبيه ويثبت أنه ليس شخصاً مُعنِفاً كارهاً للنساء.


الفن مرآة للمجتمع أم الفنان؟ 

يعتقد كثيرون أن الممثل أو المخرج يعكس حقيقته وروحه في أعماله لهذا السبب تجد أكثر الممثلين يخافون من تأدية أدوار شريرة أو كريهة خوفاً من أن ينعكس هذا على محبة الجمهور لهم لكن العكس هو الصحيح.

فالممثل يثبت موهبته الحقيقية عندما يؤدي دوراً أبعد ما يكون عن شخصيته كما حدث مع الممثل الرائع أحمد حلمي الذي نزع عباءة الكوميديا المميزة لشخصيته وحطم قلوبنا في فيلم "آسف على الإزعاج".

يوضح الناقد الفني محمد عبد الخالق هذه التفصيلة وأهمية الفصل بين الفن والفنان في حديثه الخاص لأراجيك فن قائلاً : "ببساطة لو طالبنا الفنان أن يكون ما ينتجه من أعمال محاكاة لحياته الشخصية ومعتقداته فإننا في هذه الحالة سنكون أمام صورة كربونية لحياة شخص ما أقرب إلى الأعمال التسجيلية، في حين أن أبسط تعريف للإبداع أنه (خلق) لشيء جديد ليس شرطاً أن يكون عاشه الفنان أو جربه أو مر به في الحقيقة".

إن إسقاط حياة الفنان الشخصية على العمل الذي يقدمه ليس بأمر جديد على الإطلاق؛ إذ دومًا ما يعتقد الجمهور أن المخرج أو الممثل يحاول إيصال أجنداته وآرائه الشخصية من خلال العمل الذي يقدمه وقد يصل الأمر إلى اتهام صناع العمل بمحاولة الترويج لأفكار لا تناسب المجتمع الذي يصوره العمل.

كذلك تطرح نرمين علي رؤية مهمة حول انعكاس شخصية المبدع على عمله حيث تقول: "يمكن لصناع العمل أن يكونوا مدمني مخدرات لكن الفيلم يتناول قضية مكافحة المخدرات، طالما أن المخرج لا يضع أي أفكار سلبية في الفيلم فلا أجد أي مانع من متابعته". 

أمًا يزن أبو رباح فيرى أن هوليوود وسياساتها هي المسؤول الأول عن خلط الحياة الشخصية للفنان بالفن حيث يوضح فكرته قائلاً: "أنا لا أهتم بالشخص خارج الشيء الذي يقدمه لأن ما يقدمه للفن يختلف عما يقدمه لحياته الخاصة كيفين سبايسي اتهم بالاغتصاب، مارلون براندو رفعت عليه قضية اغتصاب من فيلم Last tango in Paris بعد وفاته، فهل يعني هذا أنني لن أشاهد أعماله؟ طبعاً لا إنه إنسان مبدع ضمن الإطار الذي أراه أنا فيه ألا وهو السينما والتلفاز لذلك فإن أي خطيئة خارج إطار السينما هي شيء يضر بسمعة صاحب العمل وليس العمل نفسه".

يضيف: "لكن مقاييس هوليوود برفع الشيء الذي يناسبها وتدمير ما لا يناسب سياساتها أصبح واضحاً بشكل فاضح وجوائز الأوسكار الأخيرة خير دليل على هذا. في النهاية الفن لا يتجزأ عن صاحبه وبالطبع يؤثر على حياته وسمعته لكن طالما أنه يقدم فناً عظيماً فبكل تأكيد أنا ضد أن يحارب أو يهمش بأي طريقة كانت". 


مسئوليات الفنان

إن حياة المشاهير صعبة دون شك أن تقضي حياتك وأيامك تحت الأضواء دون لحظة خصوصية هو أمر يثير الجنون تخيل أن يتم محاسبتك على كل كلمة قلتها أو أن يتحول تصريح أو موقف اتخذته إلى قضية رأي عام، إنها ضريبة الشهرة التي يجب على كل مشاهير العالم دفعها كما أن الشهرة تحمل مسؤولية مجتمعية هامة فالفنان أو المشهور بشكل عام عليه الحفاظ على محبة جمهوره.

ويرى الناقد محمد عبد الخالق أن:" الفنان عليه مسؤولية تجاه المجتمع كونه أصبح شخصية عامة، من الممكن أن يكون هناك مَن يعتبره مثلاً أعلى". ويوضح "عبد الخالق" الحد الرفيع الفاصل بين ضرورة احترام حرية الفنان ومسؤوليته تجاه جمهوره قائلاً :" وإذا كنا نتحدث عن حرية الفنان وخصوصيته التي يجب احترامها فإن الفنان يجب أن ينتبه ويحافظ على متطلبات وضعه المجتمعي وإلا سيدفع ثمناً باهظاً من نجاحه الجماهيري".

يتفق مجد دناور مع الناقد محمد عبد الخالق إذ إنه كمشاهد محب لعالم الفن السابع يرى أن مسئولية الفنان أمام جمهوره تكمن في الفصل بين حياته الخاصة وتمثيله.

ويوضح فكرته قائلاً :" الممثلون هم نماذج عامة للناس وبالتالي فإن سلوكهم وأفعالهم الخاصة ستؤثر على ما إذا كان الجمهور سيتقبلهم أم لا، إذا كان الممثل يعاني من مشاكل شخصية أو سلوكية فقد يؤثر ذلك سلباً على شهرته ونجاحه وبالمقابل عندما ينجح الممثل في فصل حياته الشخصية عن دوره على الشاشة فإنه سيقدم صورة قوية ومتميزة لنفسه كفنان وشخصية عامة".

لطالما رأينا تحول نجم محبوب شهير إلى العدو رقم واحد بسبب تصرف غير المسؤول أو تعليقات مسيئة حتى إن مسيرة بعض المشاهير حتى لو لم يكونوا ممثلين تتدمر تماماً بسبب كلمة مهينة كما حدث للشيف الشهيرة بولا دين التي انتهت مسيرتها الحافلة بسبب "نكتة" عنصرية تجاه الأميركيين من أصل إفريقي استخدمت فيها بولا كلمة تعد تابو محرماً تعود إلى عهود العبودية.

ورغم محاولاتها الحثيثة لاستعادة مجدها المفقود إلا أن الشيف الأمريكية أصبحت في نظر الأميركيين امرأة جنوبية عنصرية لا تزال عالقة في عصر العبودية.

لقد كانت بولا دين شخصية عامة ناجحة لكن عدم انتباهها لتصرفاتها أودى بها إلى النبذ، على عكس ميل غيبسون الذي تلاحقه اتهامات العنصرية ومعاداة السامية منذ أعوام لكن محبة الجمهور له ما تزال راسخة قوية إنه ويليام والاس القلب الشجاع يرى الناقد محمد عبد الخالق أن :" إمكانية عودة الفنان مرة أخرى لجماهيريته بعد تعرضه لمشاكل شخصية مؤثرة تعتمد على مدى حب الجمهور له وتقبلهم له ونسيانهم أخطاءه، وهي كلها أمور قد تحدث ولا يمكن الرهان عليها".

يمكن تطبيق كلام "عبد الخالق" على المحاولات الحثيثة التي تقوم بها الممثلة آمبر هيرد لمحاولة استعادة حياتها المهنية بعدما استغلّت معاناة آلاف النساء المعنفات وكذبت وشوهت سمعة زوجها السابق جوني ديب الذي يحاول هو الآخر أن يستعيد نفسه ويبدو أن مهنتهما كما يقول متعلقة بمدى قدرة الجمهور على تناسي أفعالهما.


لكن ما هي مسئولية الناقد؟ 

طالما أننا تكلمنا كثيراً عن مسئولية الفنان فلا بد من توضيح مسئولية الناقد، لو بحثت عن تعريف النقد لوجدت أنه دراسة الأعمال الأدبية والفنون وتفسيرها وتحليلها والكشف عن جوانب القبح، والجمال، والضعف، والقوة فيها ثم الحكم عليها بتوضيح قيمتها ودرجتها.

النقد فن قديم عريق ولد في اليونان القديمة وترقى منذ ذلك الحين حتى تحول إلى علم له أسسه ومدارسه المختلفة في أساليبها، إن الناقد هو صلة الوصل بين العمل والمشاهد وأحياناً يكون مسئولاً عن رغبة المشاهد في متابعة هذا العمل وهي مسئولية ضخمة ينبغي على الناقد الاهتمام بها والتركيز على التفاصيل المهمة التي قد لا ينتبه لها المشاهد العادي، كالإضاءة وحركة الكاميرا والإسقاطات الفلسفية أو السياسية أو غيرها، فالعمل الفني بالنسبة للناقد ليس مجرد بضع ساعات من التسلية الممتعة.

يرى مجد دناور أن مهمة النقد السينمائي هي مهمة توجيهية في أساسها حيث يقول: "يهدف النقد السينمائي إلى توجيه الجمهور ومساعدتهم على تكوين آرائهم الخاصة حول الأفلام المختلفة مع تسليط الضوء على صاحب العمل لأن نجاح الاثنين مرتبط ببعضه".

إن النقد الفني ليس بالعمل السهل إنه شيء يتطلب دراسة معمقة لعلم النقد وبعض الموهبة وقدراً كبيراً من الشغف والحب لهذا السحر المجسّد الذي نطلق عليه السينما إضافة إلى نسبة معقولة من الحيادية.

ذو صلة

ختاماً.. كان هدفنا اليوم طرح مجموعة متنوعة من الأراء المختلفة حول موضوع شائك في عالم النقد؛ لقد تغير الزمن في عصر السوشيال ميديا، ولم يعد هناك أية خصوصية من أي نوع وأصبح المشاهير كتباً مفتوحة بكل حسنها وقبحها أمام الجمهور والنقاد على حد سواء ورأينا كيف امتلك كل من النقاد والمشاهدين آراء مختلفة في هذا الموضوع.. والآن هل ينبغي حقاً ربط الفن بالفنان؟ ما رأيك أنت عزيزي القارئ؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة