اللقاءات الإعلامية الفنية.. عن الوقاحة في كشف الأسرار الشخصية
5 د
اللقاءات الإعلامية الفنية أمور مرتقبة للغاية لدى العديد من طوائف الجمهور العام، وربما ذلك لحبهم للفنان الذي سيُجرى معه اللقاء أو لإرضاء فضول بداخلهم للتعرف عليه بشكل أكبر.
ومن المؤكد أن حياة الفنانين ليست ملكهم وهذه هي الضريبة الحقيقة للشهرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الوقاحة في اللقاءات الإعلامية مع الفنانين؟
سقطات إعلامية وخروج تام عن المهنية
ألف باء إعلام هو ألا أهين ضيفي بأسئلة لا علاقة للجمهور العام بها، هذا ما تعلمناه، لكن ما يحدث في الحقيقة مغاير تماماً لكل المعايير الأخلاقية للإعلام.
لماذا يُهان الفنان ويَقصدُ الإعلاميون التدخل في أدق تفاصيل حياتهم بشكل فجّ؟ لقد خرج الأمر عن كل حدود المهنية وعن كل ما يمكن أن يجول في أفكار الجمهور.
لو بحثنا عن الهدف الرئيسي من اللقاءات الفنية، فمن المفترض أن يكون معرفة المزيد حول الفنان، التعرف على بعض المواقف الطريفة في حياته، أو حتى بعض المواقف الصعبة التي يجب مناقشتها قبل البرنامج، ويوافق الفنان على عرضها على الجهور العام.
كما تسعى اللقاءات الفنية إلى التعرف على الأعمال الجديدة، التي يُقدم الفنان عليها أو الحديث عن عمل بعينه، أو عن جوائز حصل عليها إلى آخره… وهذه من الأسباب الطبيعية التي من المفترض أنها تُشبع رغبة الجمهور في التعرف على ما يخص هذه الأمور في حياة الفنانين العملية والشخصية.
ولكن ما الذي يدفع الجمهور لأن يلهث وراء تفاصيل لا علاقة له بها في حياة الفنانين؟
إجابة هذا السؤال في رأيي ترتبط بما يُثيره الإعلاميون أنفسهم فربما لم يكن لدى الجمهور العام هذا النوع من الشغف في الأساس ولكن تبنيه إثارة بعض الموضوعات أو الأسئلة المُحرجة للفنانين فتزداد المشاهدات بشكل غير طبيعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل عرض المقاطع للتعرف على رد فعل الفنان.
فربما يُثير رد الفعل نفسه الشغف لدى فئة واسعة من الجمهور، لم تكن موجودة من الأساس.
التجاوزات الإعلامية المباشرة
هل من الطبيعي أن تسأل إعلامية فنان عن أمور دقيقة للغاية تخص أسرته وعائلته فقط؟ هل من الطبيعي أن تحرص وفاء الكيلاني على التركيز الدائم على الأسئلة المُحرجة والتي لا تخصها ولا تخص الجمهور في شيء؟
ماذا سيستفيد الجمهور من الحديث حول مهنة سابقة للفنان سعد الصغير في بيت الفنانة وفاء عامر؟ ماذا استفادت إيناس الدغيدي من الغصة التي كانت في حلقه، والإحراج الشديد الذي تعرّض له بعد تصريحات شيخ الحارة عن هذا الأمر؟
ماذا استفادت إيناس الدغيدي عندما أحرجت الفنان هشام سليم – وهو أصلاً من الفنانين قليلي الظهور للغاية – عندما حدّثته عن مشكلة ابنه الخاصة جداً في عملية التحول الجنسي؟
أسئلة لا تخص الجمهور، ولا تخص الإعلام في أي شيء، وإنما فقط تفتقر تماماً للمهنية، وتعمل على إحراج الضيف إلى حد كبير.
بل تتعمد بعض الإعلاميات الإصرار على الحديث حول هذه الأمور المُحرجة، والأسئلة التي لا تهم الجمهور، وتُركز عليها بشكل كبير، إلى درجة تضع الضيف تحت ضغط رهيب، وهو محاضر بتلك الأسئلة، ومضطر لتقديم أي إجابة ربما لا تكون لائقة دون تفكير.
هل هذا من المهنية الإعلامية في شيء؟ بالطبع لا؛ لا تمت هذه اللقاءات الإعلامية التي تعتمد فقط على الإثارة، من خلال طرح جوانب خاصة ومحرجة للغاية، في حياة الفنانين علناً وهو ما لا داعي له وإنما يجب احترام خصوصياتهم كأي بشر عاديين.
موقف جريء
من المواقف الجريئة التي اعتمد عليها بعض الفنانين في لقاءاتهم الإعلامية، هو موقف الفنان أحمد خالد صالح عندما سأله أحد الإعلاميين عن العيوب التي لا تُعجبه في زوجته هنادي مهنا .. تغير وجهه ورد بشكل تلقائي: “وأنت مالك ؟ .. سؤال ولا يخص حد اية اللي يعجبني وإيه اللي ميعجبنيش .. سؤال ولا يخص حضرتك ولا الجمهور.”
ربما كان الرد لاذعا ومفاجئاً ولكنه جريئا، فلابد أن نسأل لماذا يقبل الفنانون أن يتم الحديث حول أمور شخصية لا علاقة للجمهور بها؟
لماذا يقبلون استمرار الحديث، إذا ما كانت هناك إهانة مباشرة لهم أو لذويهم، من قبل فريق الإعداد أو المذيع بشكل مباشر؟ هل المقابل المادي للظهور في البرامج يدفعهم لقبول الإهانة؟ هل لا يمتلك بعضهم الشخصية القوية القادرة على الرد على الإهانة؟
هل يرغبون في الظهور الدائم “كترند ” في مواقع التواصل الاجتماعي؟ فإذا لم يكونوا على علم بالأسئلة الموجهة إليهم، أو تم استئذانهم في التطرق لبعض الأمور الشخصية وعرضها عليهم قبل البرنامج، وإما أن يقبلوا أو يرفضوا فمن الطبيعي أن يعتذروا عن استكمال البرنامج.
إن موقف الفنان أحمد خالد صالح وردّه، كان له صدى كبير على مواقع التواصل الاجتماعي عند نشر الفيديو، وأيده الكثير من الجمهور في عدم التطرق لأمور لا تخص الجمهور في شيء.
إن أقصى ما يجب أن يهم الجمهور هو الاهتمام بالمعلومات الفنية، التي تخص أعمال الفنانين أو الاطمئنان على صحتهم في حالة تعرضهم لأزمة صحية من باب حب الجمهور للفنان.
ولا يجب أن تتطرق اهتمامات الجمهور على الإطلاق لأمور لا علاقة له بها، أو على الأحرى لا يجب إثارة مثل هذه الأمور، أو مثل هذا الفضول لدى الجمهور من خلال الأسئلة الإعلامية المحرجة والسيئة، والإسلوب الغير مهنى على الإطلاق في التعامل مع الضيوف.
إن الإعلام هو الذي يصنع وعي الجمهور وفكره، وما يُثيره الإعلاميون من خلال هذا النوع من الأسئلة الوقحة حول الحياة الشخصية الدقيقة للفنانين، يمنح الحق للجمهور في التدخل في حياة الفنانين الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الاعتدال الإعلامي
لاشك أن الإعلام واحد من أهم الوسائل التي تعمل على التأثير المباشر على فكر الجمهور العام ووعيه، لذا فإنه يجب أن يعتمد الإعلاميون على المهنية في تقديم المحتوى الإعلامي للجمهور العام.
إن لعبة الأرباح والموضوعات الأكثر مشاهدة والأكثر إثارة، وبالتالي تحقيق الأرباح الأعلى أصبحت هي السائدة ولا يوجد اهتمام بأي نوع من أنواع المهنية، ولا الاهتمام بوعي الجمهور وفكره.
فإما أن يعتدل الإعلاميون في طرح الأسئلة المهينة والمعتدلة والتي تخص الجمهو؛ أو أن يعتذر الفنانين عن تلك اللقاءات التي تجعلهم مادة للسخرية والإهانة أمام الجمهور.
إقرأ أيضا: أخلاقيات الصحافة والإعلام
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.