الإمبراطور المخدوع نابليون ليست بوابة خواكين فينيكس الأولى بالتاريخ.. إليكم أبطاله الأسطوريين!

لو إننا قمنا بإنشاء تعريف محدّد لفن التمثيل، لقلنا إنه القدرة على تقمص شخصية أبعد ما يكون عن شخصيتك الحقيقية، إن التمثيل صعب حقاً وقلائل هم من نجحوا في فرض وجودهم كممثلين رفيعي المستوى خاصة في زمننا الذي سمح لأي كان أن يطلق على نفسه اسم ممثل بمجرد امتلاكه حساباً على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. 

تتجلى القدرة والإمكانيات التمثيلية في أمرين اثنين، القدرة على إقناع المشاهد بشخصية أبعد ما يكون عن شخصية الممثل الحقيقية، والأمر الثاني هو القدرة على تجسيد شخصيات تاريخية شهيرة أو معروفة سواء كانت حقيقية أو خيالية، قلائل هم الممثلون الذين تمكنوا من امتلاك القدرة الأولى.

 لكن أولئك القادرين على امتلاك القدرتين معاً، إنهم هم من نطلق عليهم أساطير التمثيل مثل السير أنتوني هوبكنز الذي سحرنا بأدائه الجبّار لشخصية آكل لحوم البشر الدكتور هانيبال ليكتر في فيلم صمت الحملان الشهير أو السير دانيال دي لويس الذي لا يزال أداؤه المبهر في فيلم There will be blood راسخاً في ذاكرة كل من شاهد الفيلم الرائع وطبعاً صاحب أعظم صوت في تاريخ هوليوود الرائع مورغان فريمان إضافة إلى آل باتشينو وروبرت دي نيرو والرائعة دومًا وأبدًا ميريل ستريب. 

لا يجب أن يكون الممثل متقدماً في العمر كي يقدم لنا أداءً مبهراً، إذ إن كثيراً من الممثلين الشباب أثاروا إعجاباً واسعاً بأدائهم التمثيلي الرفيع الذي يضمن مستقبلاً باهراً لعالم الفن السابع، مثل كيليان ميرفي الذي ننتظر بفارغ الصبر فيلمه القادم مع نولان Oppenheimer أو حرباء هوليوود الوسيم كريستيان بايل الذي قد يصعب عليك تصديق أنه الشخص نفسه في مختلف أفلامه بسبب قدرته الرائعة على تقمص الأدوار وتغيير شكله الخارجي بما يتناسب مع دوره.

لكن لا يمكن لنا الحديث عن القدرات الفنية وتقمص الأدوار دون أن نذكر الممثل الأوسكاري الرائع خواكين فينكس،  من الممثلين القادرين على إقناع المشاهد في أي دور يسند إليه بفضل موهبته الواضحة المميزة وحضوره الطاغي، لقد توضّحت موهبته الكبيرة منذ أول مرة ظهر فيها على الشاشة، كما أن اختياراته المتنوعة في أدواره تدل على ممثل ذكي متنوع لا يحصر نفسه في دور واحد لا يتعداه بل هو شخص يعشق التحدي ويطلبه باستمرار.

قدّم خواكين فينكس مجموعة لا تنسى من الشخصيات المتنافرة التي لا يجمع بينها أي شيء سوى فينكس نفسه، إنه ثيودور الرجل الوحيد الذي يقع في غرام نظام تشغيل يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحفة سبايك جونز Her وهو أيضاً فريدي ستون الخارج من ويلات الحرب العالمية الثانية في The Master.

إنه البروفسور غريب الأفكار والأطوار في تحفة وودي آلين العظيمة Irrational man وبالطبع لا يمكننا أن ننسى الدور الأسطوري الذي اقتنص به الأوسكار في منافسة محتدمة الفيلم الرائع The Joker، يبدو أن "فينكس" يحب التحديات حقًا؛ إذ ننتظر أحدث أعماله فيلم Napoleon بالسينمات عالميًا في 22 نوفمبر الجاري؛ مثيرًا الكثير من الحماس والتكهنات حول الجديد الذي يقدمه.. وكيف يجسد "فينكس" هذه الشخصية التاريخية الرائعة؟

يُعتبر نابليون بونابرت واحداً من أشهر الشخصيات التاريخية في العالم كله، إنه الرجل الذي خرج من العدم كي يحكم العالم كله كما يقول بوستر الفيلم الرسمي، كان نابليون قائداً تاريخياً عبقرياً قاد عدة حملات عسكرية ناجحة ضد أعداء فرنسا التي كانت تعاني في تلك الحقبة الزمنية توترات سياسية قاسية بعد قيام الثورة الفرنسية التي راح ضحيتها أعناق آلاف النبلاء تحت شفرة المقصلة.

أصبح نابليون القائد العسكري إمبراطوراً على فرنسا وأسّس إمبراطورية واسعة الانتشار سيطرت على معظم أنحاء أوروبا، لكن حقبة الانتصارات انتهت نهاية مأساوية بخسارة مدمرة في معركة شرسة مع قوات الحلفاء عُرفت تاريخياً باسم معركة واترلو كان نابليون قائداً عسكرياً عبقرياً ومخططاً حربياً لم يشهد التاريخ براعة كبراعته منذ عصر هانيبال القائد القرطاجي الأسطوري لكنه كان حاكماً مستبداً خسر كل ما بناه في لحظة غفلة وانتهى به الأمر بالنفي إلى جزيرة سانتا هيلينا وسط المحيط الأطلسي والتي شهدت وفاة الرجل الذي غير وجه التاريخ. 

كانت حياة نابليون مثيرة بشكل لا يصدق لقد كان رجلاً عسكرياً تحول إلى حاكم ثم إلى إمبراطور ثم إلى رجل محطم منفي في جزيرة واقعة في اللامكان، لم تكن حياة نابليون العاطفية بأقل إثارة إذ أنه وقع في غرام جوزفين المرأة التي تكبره بستة أعوام والتي لم تكن مخلصة تماماً له رغم حبه الكبير لها الحب الذي قيل أنه المحرك الأساسي لكل ما فعله نابليون.

إن كانت حياة هذا الرجل مثيرة فإن موته لم يكن أقل إثارة بأي شكل، توفي نابليون في جزيرة سانتا هيلينا قيل في البداية إن سبب وفاته كان سرطان المعدة، لاحقاً تم تداول إشاعات قوية جداً أن وفاة نابليون لم تكن طبيعية بأي حال بل أنه مات مسمومًا بالزرنيخ وهذا ما يفسر آلام المعدة المستمرة التي عانى منها باستمرار في نهاية أيامه.

ومن وحي قصة هذا الرجل المثير قرر "ريدلي سكوت" إعادة التعاون مع بطله المفضل خواكين فينكس لتقديم قصة مختلفة تجسد قصة المحارب والإمبراطور المنفي على أن يعرض الفيلم في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام، ويبدو من التريلر أننا ستشهد تحفة تاريخية رائعة وأننا سنتمتع بأداء رفيع متقن من ممثل أثبت قدرة مذهلة على تقمص أعقد الشخصيات. 

إن التحدي الذي يواجهه "فينكس" ليس سهلاً بأي حال، فهو يتحدى نفسه بعد النجاح الأسطوري لشخصية "الجوكر" ها هو يجسد شخصية نابليون المعروف في كل أصقاع الأرض إنه رجل محوري في تاريخ فرنسا والعالم ولم يتم تقديمه في فيلم مستقل منذ عقود، لذا فإن "فينكس" على موعد مع نقاد متحفزين لاصطياد أقل خطأ في الأداء أو الإخراج لكن لا داعي للقلق على ممثل مبهر مثله؛ إذ إنه وفي الحقيقة ليس بأمر جديد عليه تقديم الشخصيات التاريخية الرائعة إذ سبق له أن فعلها سابقاً وبنجاح فائق..! 

منذ ظهوره الأول على الشاشة نجح  خواكين فينكس في لفت أنظار النقاد والجمهور على حد سواء بفضل موهبته الواضحة وحضوره المهيب وقدرته المذهلة على تقمص أدوار معقدة صعبة واستثمار ملامح وجهه الطفولية البريئة خير استخدامًا.

لهذه الأسباب لاقى خبر تجسيد "فينكس" لشخصية "نابليون" احتفاءً واسعاً وعقدت كثير من الآمال عليه، هذه ليست المرة الأولى التي يجسّد فيها شخصية تاريخية؛ إذ أنه فعلها سابقاً في عدة أعمال لاقت جميعها نجاحاً هائلاً، وبما أن "نابليون" فيلم تاريخي سنقوم حالاً بتذكيرك ببعض أبرز أدواره في هذا المجال تحديداً ولا شك أننا في "أراجيك فن" سنبدأ مع..

ولهذا فبراعة خواكين في تجسيد الشخصيات التاريخية هي أكثر ما يحمسنا لرؤية الفيلم الذي سيروي سيرة نابليون كلنا ثقة بموهبته وبراعته الفذة في تقمص أدواره ولا ريب أن وجود المخرج الرائع ريدلي سكوت عامل آخر يجعل آمالنا في الفيلم ترتفع أكثر فأكثر.

لطالما لفت "نابليون" أنظار أهل الفن ورغبوا في تقديم سيرة حياته في أعمالهم، في الواقع كان هناك مشروع فيلم يحكي قصته على أن يخرجه المخرج الأسطوري ستانلي كوبريك لكن المشروع ذهب طي النسيان، لم يكن نابليون رجلاً عادياً.

ولا شك أنه يستحق مخرجاً مميزاً كي يحكي قصته ومن أفضل من ريدلي سكوت الذي سحرنا وأذهلنا بأفلامه الرائعة نذكر منها على سبيل المثال Blade runner و Kingdom of heaven، قبل Gladiator كان خواكين فينيكس ممثلاً مغموراً لكنه حلق في سماوات الفن بعده، لقد حقق خواكين نجاحه الأول والأكبر مع "سكوت" وسيعود الثنائي للتعاون مرة أخرى بعد 23 عاماً طويلة بقصة جديدة تحكي سيرة رجل غير التاريخ. 

يبدو من التريلر المشوق الخاص بالعمل أن سكوت يرغب في تصوير نابليون الإنسان قبل نابليون القائد والإمبراطور واستعراض سيرة حياته المذهلة وعبقريته الاستراتيجية منذ بداية الثورة الفرنسية حيث رأينا بعضاً من مشاهد الإعدام بالمقصلة مروراً بمعاركه الشهيرة خاصة الحملة الفرنسية على مصر تلك الحملة التي كانت السبب الأساسي في اكتشاف العالم الفرنسي شامبليون لحجر رشيد الذي كان المفتاح الأساسي لفك رموز الحضارة الفرعونية القديمة.

ولا شك أن سكوت سيستعرض كذلك نهاية نابليون المؤلمة كرجل منفي في جزيرة معزولة، كما يظهر لنا التريلر وجود المرأة التي كان لها أكبر تأثير في مسيرة نابليون جوزفين زوجة نابليون الخائنة التي كانت حب حياته ولعنتها في الوقت نفسه.

لا يوجد أي شك في الحقيقة أن اختيار خواكين فينيكس لتجسيد القائد التاريخي كان الخيار الأفضل فهو ممثل بارع متمكن جداً كما أنه ذو خبرة وباع طويل في تجسيد الشخصيات التاريخية ومن المشاهد القليلة التي رأيناها في التريلر يبدو جلياً أننا سنرى أداءً مذهلاً متميزاً من هذا الممثل الرائع.

ومن يدري لربما يحصد الفيلم جائزة أوسكار لريدلي سكوت بعد طول انتظار، إن الآمال معقودة وبشدة على هذا العمل الذي سيحكي قصة رجل خرج من العدم كي يحكم العالم واشتهر باسمه الأول كسائر العظماء في التاريخ، في الواقع لن يكون ريدلي سكوت أول من سيقدم نابليون في فيلم إذ سبق أن قدمت قصته في أفلام سابقة قبل عقود طويلة وهذا ما سنوضحه خلال السطور التالية. 

كان نابليون بونابرت رجلاً جدلياً وقيل الكثير في حقه، لقد وصف بالعبقري العسكري والقائد الشجاع المبهر كما وصف أيضاً بالمتسلق والمتعطش إلى السلطة.

لقد صنع نابليون مجد فرنسا ولا يزال التاريخ يتغنى بانتصاراته الرائعة كما يشمت بهزيمته النهائية في واترلو، وعبر الأعوام قدم البعض أفلاماً تتحدث عن نابليون.

لكن ما جمع بينها هو تجريدها التام لشخصية نابليون من الإنسانية، لقد صورت هذه الأعمال نابليون كقائد عسكري ورجل طموح لا يقف في وجهه شيء، ولم يهتم أي من هذه الأعمال أو لم يكترث بنابليون الإنسان والزوج المخدوع، بعض هذه الأفلام صنعت في فترة العصر الصامت وبعضها كان أكثر حداثة نذكر من هذه الأعمال..

لا شك أن "خواكين" و"سكوت" يخوضان تحدياً صعباً لقد كانت هذه السنة واحدة من أفضل السنوات التي مرت على عالم السينما؛ أفلام قوية تحديات كبيرة.

ولا شك أن التحدي الأكبر هو تقديم قصة بمنظور مختلف لرجل لا يزال يشغل العالم حتى بعد وفاته بعقود، لربما كان "نابليون" رجلاً عادياً لكن قصة حياته وإنجازاته وتلك العبقرية الاستراتيجية، التي وهب بها كل هذا جعل منه رمزاً تاريخياً ثقافياً لفرنسا ورمزاً للعبقرية العسكرية التي لن تتكرر.. والاَن عزيزي القارئ ما توقعاتك لـ "خواكين فينكس" في ثوب "نابليون" على شاشة الفن السابع؟