نساء تتصدر لجان تحكيم كان الـ 77 ومهرجانات عالمية.. إليكم الأسباب!
10 د
ينتظر عشاق السينما كل عام وبفارغ الصبر المهرجانات السينمائية التي تتنافس في عرض مجموعة من الأفلام الحصرية الرائعة التي غالباً ما ينتهي بها المطاف إلى أرفع جوائز عالم الفن السابع الأوسكار.
في الآونة الأخيرة أصبح الاهتمام بالمهرجانات السينمائية ظاهرة جماهيرية لا تقتصر فقط على النقاد وصناع السينما إنما تجاوزتها إلى المشاهد العادي الذي ينتظر بشغف التكريمات والجوائز التي تشهد ببراعة الفيلم واحتمالية تصدره شباك التذاكر عند عرضه جماهيرياً.
عادة ما يتم اختيار لجان تحكيم تبت وتقرر ما هي الأفلام الفائزة التي تستحق التكريم لجان تتكون من مخرجين ممثلين وكتاب على اختلاف عروقهم وبلدانهم وجنسهم، حيث يفترض أن يكون اختيارهم على أساس الموهبة والأهمية السينمائية.
إن اختيار لجنة التحكيم الخاصة بالمهرجان السينمائي عملية شديدة الحساسية خاصة في المهرجانات ذات الصيت الواسع كمهرجان برلين الذي أثار سخط النقاد في دورته الأخيرة ومهرجان البندقية الذي يعتبر رمزاً من رموز السينما العالمية وبالطبع مهرجان كان الذي يبدو أنه يرغب في إرضاء كل الأطراف بلجنة تحكيم متعددة الأعراق تحتوي على مجموعة مختارة من أفضل نساء عالم السينما.
اختار القائمون على مهرجان كان السينمائي المخرجة غريتا غيرويغ كي تترأس لجنة التحكيم وهذه ليست سابقة فريدة؛ إذ سبق للنساء أن تولين رئاسة أو عضوية لجان التحكيم في المهرجانات الشهيرة لكن غالباً يكون توليهن لهذا المنصب مصحوباً بكم كبير من التساؤلات والانتقادات الغاضبة حول أحقية وجودهن.
إذ أن اختيارهن قد يكون مبنياً على أسس لا علاقة لها بقيمتهن الفنية؛ إنما لإرضاء الحركات النسوية ولإضفاء طابع تحرري مفعم بالمساواة على المهرجان، لكن وفي المقابل هناك نساء تستحقن وبشدة المناصب التي رشحن لها.
نساء نجحن وبأعمال قليلة معدودة أحياناً في فرض بصمة مميزة وتحقيق نقلة نوعية غير المسبوقة في عالم الفن السابع بفضل موهبة فذة وحضور لافت سواء كممثلات أو مخرجات؛ موهبة جعلتهن يستحققن أن يكن في لجان تحكيم المهرجانات العالمية.
وهؤلاء النساء المبدعات هن بطلات مقالنا في "أراجيك فن" الذي سيكون نسائياً بشدة؛ إذ أننا سنسلط الضوء من خلاله على مجموعة من المبدعات اللواتي فرضن موهبتهن وحضورهن القوي على الساحة الفنية.
وأثبتن أنهن تستحققن هذه المكانة الرفيعة كرئيسات وعضوات في لجان تحكيم مهرجانات سينمائية عريقة والتي تشهد بهيمنة نسائية على عالم التحكيم السينمائي، فلنبدأ بمخرجة نجحت في منافسة أحد أفضل مخرجي عصرنا الحالي المخرجة التي حطم فيلمها "باربي" حاجز المستحيل بإيرادات فاقت أوسع أحلامها .. فلنبدأ رحلتنا مع رئيسة لجنة تحكيم كان غريتا غيرويغ!
غريتا غيرويغ
يبدو أنه كان سيكون مميزاً للغاية هذه الدورة إذ أعلن القائمون على المهرجان أن لجنة التحكيم الخاصة بالدورة 77 ستكون برئاسة المخرجة الأمريكية غريتا غيرويغ عن عمر يناهز 40 عاماً فقط مما سيضفي لمحة شبابية على المهرجان الذي لم يتولى رئاسته أحد بهذا السن منذ تولت الجميلة صوفيا لورين هذا المنصب عام 1966 عن عمر يناهز 31 عاماً.
لن تكون غريتا أول امرأة تتولى هذا المنصب إذ سبق للممثلة كايت بلانشيت أن كانت رئيسة تحكيم مهرجان كان عام 2018 لكن اختيار غيرويغ يعتبر سابقة تاريخية من نوع خاص؛ فهي أول مخرجة أمريكية تتولى هذا المنصب المرموق في واحد من أشهر وأقوى المهرجانات السينمائية حالياً.
تعد غيرويغ واحدة من أفضل مخرجات جيلها برؤية سينمائية فريدة من نوعها، نجحت غريتا غيرويغ في فرض بصمتها كمخرجة سينمائية بارعة في عالم ظل لأعوام حكراً على الرجال، تمتلك غريتا رؤية نسوية مميزة تجعل من أفلامها تجربة ممتعة غير المسبوقة.
لكن اسمها لمع بقوة العام الماضي مع صدور فيلمها الذي حقق نقلة غير المسبوقة في مسيرتها كمخرجة إنه الفيلم الذي أعاد للسينما ذلك الرونق والشغف الذي كادت جائحة كوفيد 19 أن تقضي عليه إنه فيلم باربي.
استطاعت غريتا بالتعاون مع مارغو روبي ورايان غوزلينغ أن تحول باربي من مجرد لعبة بلاستيكية إلى شخصية حقيقية من لحم ودم بعمق عاطفي وفلسفي واضح سمح لباربي أن تتبنى قضية أساسية في المجتمع هي النظرة المحكومة بالمعايير الجسدية شبه المستحيلة للمرأة.
رغم تباين الآراء والتجاهل المؤسف للفيلم ولمخرجته في موسم الجوائز إلا أن باربي كان نقلة غير المسبوقة في عالم الفن السابع وحطم أرقام الإيرادات محققاً عائدات لا يمكن إلا أن توصف بالخرافية.
إن مليار دولار كعائدات ليس رقماً طبيعياً يمكن أن تسمعه كل يوم، قد لا تحب باربي وقد تجده مجرد فيلم طفولي سطحي لا يستحق كل هذه الضجة، لكن يستحيل إنكار حالة التنافس الأسطوري التي شهدناها الصيف الماضي بين باربي وأوبنهايمر منافسة أعادت هوليوود إلى عصورها الذهبية وكان طفرة لا تنسى في عالم متجدد متغير كعالم السينما.
شكل اختيار غيرويغ لرئاسة لجنة التحكيم جدلاً واسعاً بين مؤيد لها كامرأة ومخرجة موهوبة، ورافض لكونها لا تستحق ترأس مهرجان بهذه الأهمية فحصيلتها السينمائية محدودة، لكن وفي الحقيقة فإن إنكار نجاح وتفرد غريتا غيرويغ كمخرجة هو أمر من قبيل الإجحاف وسيكون وجودها كرئيس لجنة تحكيم إضافة شبابية سيمنح رونقاً وروحاً مختلفة لواحد من أقوى مهرجانات الأفلام حول العالم مهرجان كان السينمائي.
ليلي غلادستون
استطاعت ليلي غلادستون أن تلفت أنظار العالم كله بأداء استثنائي لا ينسى في فيلم المخرج الأسطوري مارتن سكورسيزي الذي حمل اسم Killers Of The Flower Moon أو قتلة زهرة القمر كانت ليلي مذهلة صادقة عفوية ونجحت بشكل كامل في نقل معاناة شعبها العريق.
وأصبحت صوتاً لهم في عالم تجاهلهم لأعوام طويلة لا يمكن لأحد أن ينسى تلك اللحظة العاطفية عندما صعدت ليلي غلادستون على مسرح الغولدن غلوب لتنال جائزة أفضل ممثلة في سابقة تاريخية لن تنسى فهي أول امرأة أمريكية أصلية تفوز بهذه الجائزة المرموقة.
كما أنها كانت أول ممثلة أمريكية أصلية تترشح للأوسكار رغم أنها خسرتها لصالح الأداء الأسطوري لإيما ستون في فيلم Poor Things إلا أن ليلي حفرت لنفسها مكانة خاصة في تاريخ الفن السابع، يبدو أن ليلي ستدخل التاريخ مجدداً لكن من باب آخر.
إذ أعلن القائمون على المهرجان أن ليلي ستكون عضواً من أعضاء لجنة تحكيم مهرجان كان في الدورة الـ 77 كسابقة تاريخية؛ فهي أول امرأة أمريكية أصلية تنال هذا المنصب.
في الواقع هذه ليست أول مرة لليلي في كان، إذ سبق وكانت حاضرة في الدورة الـ 76 لكن كممثلة حيث لفتت الأنظار إليها بموهبتها الفذة وحضورها القوي في فيلم قتلة زهرة القمر الذي أثبت أنها واحدة من أفضل ممثلات جيلها وأكثرهن موهبة.
ستعود ليلي إلى كان عودة ميمونة كعضو لجنة تحكيم ولا شك أن وجودها سيشكل إضافة مهمة للمهرجان العريق الذي يسعى إلى التنوع وجذب الأنظار إليه كمهرجان يقدر السينما بكافة أنواعها.
لربما لا تمتلك ليلي غلادستون كماً هائلاً من الأفلام في مسيرتها السينمائية القصيرة نسبياً، لكن دورها في قتلة زهرة القمر كان نقلة نوعية مهمة في عالم السينما وروى حكاية سكان أمريكا الأصليين على لسانهم للمرة الأولى وكممثلة فقد نجحت ليلي في تصوير معاناة شعبها العريق ببراعة تشهد على موهبة طال وجودها في الظلال.
يبدو أن مهرجان كان يرغب بشدة في منح لجنة تحكيمه روحاً شبابية متحررة ووجود ليلي غلادستون ضمن لجنة التحكيم سيكون إضافة مثيرة للاهتمام وتكريماً يليق بممثلة موهوبة عادت إلى أعرق مهرجانات السينما بعد نجاح أسطوري لن ينسى في أي وقت قريب.
نادين لبكي
كانت بداية مسيرة نادين لبكي الإخراجية بعيدة بعض الشيء عن السينما؛ إذ أنها عرفت كمخرجة فيديوهات غنائية لأشهر نجمات لبنان كنانسي عجرم كارول سماحة وماجدة الرومي.
لكن ولأن الموهبة الفطرية تظهر تحت أي ظرف كان، فقد بدأت نادين مسيرة إخراجية سينمائية قوية بواحد من أقوى الأفلام اللبنانية فيلم "سكر بنات" الذي وضعها ضمن قائمة أفضل عشر مخرجين في مهرجان صندانس السينمائي لاحقاً أطلقت نادين فيلم هلأ لوين؟ الذي شاركت فيه كممثلة أيضاً والذي كان كسلفه مزيجاً من الدراما والكوميديا ونظرة مختلفة للغاية إلى لبنان كما لم يره الآخرون من قبل.
لكن ثالث أفلام نادين لبكي كان مختلفاً للغاية، كان واقعياً قاسياً مريعاً مذهلاً، كان الألم المتجسد في واقع مؤسف ونظرة غير المسبوقة إلى عالم قلّما يجرؤ مخرج على ولوجه عالم الأطفال المحمل بكل قسوة الواقع.
يعرف كل صناع الفن السابع أن العمل مع الأطفال كابوسًا خارجًا من عوالم كافكا؛ إنهم فوضويون عديمو الخبرة عاجزون عن فهم وتطويع التقنيات التمثيلية كما أن السيطرة عليهم قد تكون صعبة بحق.
لكن زين بطل "كفر ناحوم" كان مثالياً والفضل الأساسي في هذا يعود إلى براعة غير المسبوقة من نادين التي أدركت سحر الواقعية واتخذت مخاطرة غير المسبوقة باختيار طفل صغير ليكون بطلاً لفيلم قاس غارق في عفونة الواقع.
لقد صنعت نادين من زين نجماً وكانت أماً أكثر مما هي مخرجة لطفل جسد واقعاً أمر من العلقم واقع العائلات النازحة وعالم العشوائيات والفقر والجهل والمخدرات وزواج القاصرات.
عالم لا مكان فيه للطفولة لا وقت هناك لأن تكون طفلاً عليك أن تنضج وتصبح رجلاً فور تعلمك المشي، كان زين حكاية أليمة غارقة في القسوة جعلتها عدسة مخرجة موهوبة كنادين لبكي صرخة في وجه العالم الغافل عن أولئك البؤساء الغارقين في الجهل والمرض.
مع انطلاق عرضه حقق كفر ناحوم نجاحاً مدوياً وسلب بطله زين الذي مثل في الفيلم باسمه الحقيقي القلوب بأداء استثنائي أثبت أن نادين لبكي مخرجة استثنائية وفخر حقيقي في عالم الفن السابع.
لقد خرجت نادين بكفر ناحوم من حدود لبنان الصغير إلى الأوسكار الذي حضرته برفقة بطلها الصغير زين لتكون بذلك أول مخرجة عربية تترشح للجائزة المرموقة كطفرة حقيقية تجعل من نادين مخرجة عالمية ونقلة لا يمكن تجاهلها في عالم السينما.
ويبدو أن نجاحات نادين العالمية لن تتوقف؛ إذ أنها ستنضم إلى غريتا غيرويغ وليلي غلادستون لتكون عضواً في لجنة تحكيم المهرجان في دورته الـ .
77 ومما لا شك فيه أن وجود نادين لبكي كعضو لجنة تحكيم سيكون إضافة قوية للمهرجان الذي نجح في سحب البساط من مهرجان برلين السينمائي وفرض نفسه كمهرجان سينمائي متميز بلجنة تحكيم متنوعة تضم مجموعة من أفضل وأقوى النساء اللواتي أضفن الكثير إلى عالم السينما بفضل موهبة استثنائية فرضت نفسها بقوة لا هوادة فيها.
إيزابيل أوبير
لطالما نجح مهرجان البندقية السينمائي في فرض نفسه كمهرجان مهم يتسابق الصحفيون والنقاد لتغطية فعالياته كما أنه غالباً ما ينجح في إثارة الجدل.
فمهرجان البندقية لا يلتزم بمفهوم الشاشة الكبيرة ولا يرى مانعاً من عرض أفلام المنصات؛ خاصة نتفليكس التي دومًا ما تجد ترحيباً واحتفاء من نوع خاص بأفلامها في البندقية.
على عكس مهرجانات أخرى ترى أن أفلام المنصات هي أفلام تجارية لا قيمة حقيقية لها، في العام الماضي ضج الرأي العام باستضافة البندقية لمجموعة من المخرجين الذين تراهم هوليوود منبوذين ينبغي إعدامهم رمياً بالرصاص أو على الأقل عدم الاهتمام بهم أو بأعمالهم.
لكن مهرجان البندقية أتاح وبسماحة نفس يحسد عليها الفرصة أمام كل من وودي آلان رومان بولانسكي ولوك بيسون لعرض أعمالهم وسط انقسامات واسعة بين معارض بحجة أنهم مجرمون مشبوهون ينتمون إلى السجن وبين مؤيد يرى أن الفن ينبغي فصله تماماً عن الفنان.
ويبدو أن مدير مهرجان البندقية ألبيرتو باربيرا يعشق التميز والتفرد؛ إذ أعلن في بيان صحفي أن الممثلة الفرنسية القديرة إيزابيل أوبير ستكون رئيسة لجنة تحكيم المهرجان في نسخته الـ 81.
الإعلان الذي قوبل باحتفاء كبير فأوبير واحدة من أفضل وأجمل نجمات السينما الفرنسية والعالمية كما أنها ممثلة قديرة تمتلك رؤية واضحة وقدرة لا شك فيها على اختيار الأعمال التي قد تصل إلى الأوسكار بسهولة تعتبر أوبير ممثلة قديرة ورمزاً بصرياً قيماً للسينما الفرنسية بأفلام أسطورية صنعت مسيرة نجمة من أفضل نجمات العصر الذهبي.
ولا شك أن أداءها الاستثنائي في الفيلم الرائع Elle أو "هي" كان نقلة نوعية في مسيرتها السينمائية وفي عالم الفن السابع ككل.
كان الفيلم جريئاً قوياً سلط الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة من قبِل المجتمع حيث جسدت دور امرأة تتعرض للاغتصاب الأمر الذي يغير حياتها للأبد، نال الفيلم عند صدوره إشادات نقدية واسعة خاصة أداء أوبير الدرامي الحساس البعيد تماماً عن الابتذال.
أداء استثنائي منح إيزابيل أوبير ترشيحها الأول لجائزة الأوسكار أفضل ممثلة، ورغم أنها لم تفز بالجائزة إلا أن مسيرة إيزابيل تزخر بعدد محترم من الجوائز والتكريمات التي تشهد بموهبة حقيقية وحضور أصيل سيكون تتويجاً وإضافة حقيقية لمهرجان أثبت مرة تلو مرة أنه المرجعية الأولى والأهم للسينما وسحرها.
إن كل واحدة ممن ذكرناهن في مقالنا هذا سواء كانت ممثلة أو مخرجة فهي وبالقطع امرأة استثنائية وموهبة كاسحة وجدت لنفسها مكاناً في عالم مزدحم تنافسي خاضع لتغيير والتطور في كل لحظة.
بعضهن لم يمتلك مسيرة سينمائية حافلة لكن العبرة بالنوعية لا بالكمية وكل واحدة ممن ذكرناهن حققت طفرة نوعية يستحيل إنكارها في عالم السينما واستحقت أن تكون في منصب حساس كعضو أو كرئيس لجنة تحكيم، قد لا تستحق كل الممثلات هذه المكانة لكن هؤلاء بالذات استحققن وعن جدارة مكانتهن سينمائياً ومهرجانياً إذا جاز التعبير!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.