ماذا قدم صاحب أغرب السيناريوهات Charlie Kaufman قبل فيلمه الأخير؟
صدر في سبتمبر الماضي أحدث أفلام الكاتب تشارلي كاوفمان I’m thinking of ending things عبر منصة نتفليكس. ولكن الفيلم يستحق المشاهدة في السينما وجوها لتميزه بوضع المُشاهد في عالم خاص. مثله كمثل أفلام تشارلي كاوفمان السابقة التي تتميز بعوالم مختلفة وتمتليء بالعناصر المبهرة، أبرزهم وأشهرهم Eternal sunshine of the spotless mind الذي فاز عنه بأوسكار أفضل سيناريو.
جميع أفلام تشارلي كوفمان فريدة من نوعها ولها طابع خاص يجعلها أشبه بالأحلام في عشوائيتها وعبثيتها. حيث يخلق كاوفمان واقع موازي للواقع الحقيقي بقوانينه الخاصة ليطرح أفكارًا مهمة وواقعية في عوالم غير واقعية. بين أفكار وأحداث سريالية مبسطة حينًا وشديدة التعقيد حينًا أخرًا، ومناقشة مواضيع إنسانية مثل العلاقات والصراعات النفسية، ساعات طويلة تجلب المتعة لمُشاهدها. فماذا قدم كاوفمان قبل ذلك الفيلم؟
Being John Malkovich
كريج محرك عرائس يائس لا يستطيع أن يُخرج فنه للنور يضطر للحصول على وظيفة عادية، ولكنها في مكان غير عادي. يكتشف في مكان عمله بوابة صغيرة ترسل من يدخلها إلى داخل جسد الممثل چون مالكوفيتش لمدة دقائق، ليقرر هو وزميلته استغلالها لتحقيق مكاسب مادية. ثم يزداد الاستغلال لما هو أبعد من ذلك بكثير، ويستخدم كريج جسد چون مالكوفيتش كأحد عرائسه ليحقق كل ما لم يستطع تحقيقه.
هل تريد أن تكون شخصًا أخرًا؟ هل قيمة الإنسان الفعلية في روحه أم في جسده واسمه؟ يتناول تشارلي كاوفمان تلك المواضيع المهمة عن الذات وتقبلها من خلال تلك البوابة التي تؤدي إلى چون مالكوفيتش. ويقدم لنا قصة غير عادية غنية بالتفاصيل الممتعة في سيناريو مبهر مليء بالجمل الرائعة والأحداث المجنونة التي لا يمكن توقعها.
Human Nature
دكتور برونفمان يرغب في تعليم البشر السلوكيات الصحيحة، فيبدأ تجاربه لتعليم السلوك على الفئران ويعلمهم آداب المائدة. يدخل الدكتور في علاقة مع ليلى التي عاشت فترة كبيرة في الطبيعة وسط الحيوانات لما وجدته من حرية وتقبل في هذه البيئة. ثم يلتقيان برجل في الغابة عاش حياته كلها كشمبانزي ولا يعرف شيئًا عن التحضر، ليقرر الدكتور أن يجري تجاربه عليه بتعليمه وتدريبه ليصبح متحضرًا بمساعدة ليلى، لكن الأمور تتعقد كثيرًا.
قصة متشابكة ومعقدة ومسلية تم روايتها بطريقة أكثر من رائعة. تدور حول طبيعة الإنسان وفطرته وغرائزه، وتطرح أسئلة فلسفية قوية عن ماهية الطبيعة الإنسانية، والفرق بين الإنسان البدائي والإنسان المتحضر، وماهية الحرية. في إطار درامي كوميدي كتبه تشارلي كاوفمان ببراعة شديدة، يصور أنواع مختلفة من البشر ويسخر من البشرية وينتقد أفعالها.
Adaptation
تشارلي كاوفمان وتوأمه الوهمي دونالد كاوفمان كاتبان يعيشان سويًا ولكنهما مختلفان تمامًا. دونالد لا يجد صعوبة في كتابة السيناريوهات، بينما تشارلي يعاني من عدم قدرته على تحويل كتاب “سارق الأوركيد” المستوحى من الواقع إلى سيناريو سينمائي. ولكن عجزه الحقيقي ليس في كتابة سيناريو الفيلم بل في كتابة سيناريو حياته، فهو يعاني من قلق اجتماعي يمنعه من التعامل بشكل طبيعي مع الأخرين، فيلجأ إلى أخيه ليساعده.
استطاع صاحب المخيلة التي لا حدود لها إيجاد حل مبتكر، وكتب فيلم عن نفسه وهو يعاني مع كتابة سيناريو عن ذلك الكتاب. أبدع تشارلي كاوفمان في كتابة سيناريو رائع وعبقري جعله يترشح للأوسكار مع توأمه الوهمي دونالد كاوفمان. حيث أنه نجح في عرض محتوى الكتاب في الفيلم ولكن في سياق أخر أكثر متعة.
Confessions of a Dangerous Mind
حياة تشاك باريس مبتكر أشهر البرامج الترفيهية الأمريكية في القرن الماضي، وعمله كقاتل مأجور للمخابرات الأمريكية في نفس الوقت، أو كما كان يظن نفسه. بناءًا على السيرة الذاتية التي كتبها تشاك باريس لنفسه تحت عنوان اعترفات عقل خطير ومقابلات مع أهم الشخصيات في حياته، نلقي نظرة مقربة على ما عاشه تشاك وعلاقاته وحياته المهنية ونظرته لهم.
تخيل أن تنافس غرابة الواقع غرابة سيناريوهات تشارلي كاوفمان! فلم تكن حياة تشاك باريس عادية، مما جعلها تلائم أن يحولها كاوفمان إلى سيناريو سينمائي. وَضَعَ كاوفمان الفيلم في إطار كوميدي يناسب الشخصية المحورية التي تمثل مادة غنية، واستطاع رسم أحداث الفيلم بها عن طريق جعل الواقع ينبع من عقل تشاك نفسه وليس من واقعه الحقيقي.
Eternal Sunshine of the Spotless Mind
أصبح بإمكان المرء أن يزور عيادة ما ويطلب محو شخص ما من عقله بكل ذكرياته وما يتعلق به. هذا ما فعلته كليمنتاين مع حبيبها جويل، بعد الأوقات المضطربة التي مروا بها ورغم ما سبقها من أوقات سعيدة. يكتشف جويل ما فعلته كليمنتاين ويقرر فعل المثل في لحظة غضب. ولكن أثناء عملية محوها من عقله تمر أمامه ذكرياتهم سويًا ويدرك أنه تسرع، فيحاول إيقاف تلك العملية.
يأخذنا تشارلي كاوفمان في رحلة غريبة وعجيبة تعلمنا الكثير، من خلال عقل جويل والتنقل فيه والتجول في ذكرياته وماضيه. الفيلم ممتع وعاطفي للغاية، وخط سير أحداثه يجعل بإمكانك بدء مشاهدته من أي نقطة فيه، مؤكدًا أن محو أخطائك من ذاكرتك لا يعني بالضرورة منعك من الاستمرار في ارتكاب نفس الأخطاء، لأنها التي تشكل ما أنت عليه.
Synecdoche, New York
كايدن مخرج مسرحي تصيبه العديد من الأمراض والعلل فيشعر باقتراب نهايته، وفي نفس الوقت تنهار كل جوانب حياته الأخرى. ولكنه يحصل على منحة فنية يقرر أن يستغلها لتنفيذ مشروع يعرض فيه نموذجًا مصغرًا من مدينة نيويورك. يتسم مشروعه هذا بالواقعية الشديدة لدرجة إتيانه بممثل ليقوم بدوره، ثم ممثل ليقوم بدور هذا الممثل، وإعادة الأحداث الغريبة التي يعيشها يوميًا.
أول تجربة إخراجية لتشارلي كاوفمان في أكثر سيناريوهاته تعقيدًا. تسير أحداث الفيلم في عبثية وعشوائية شديدة لدرجة تعيق فهمه، فلن تستطيع إدراك ما يحدث بالضبط لكن ستستمتع بالمَشاهد والحوارات أثناء محاولات كايدن لفهم الحياة، والبحث عن معنى لها، وبحثه عن احتياجاته الإنسانية. كما قد تمثل بعض المَشاهد مرآة لواقعك الشخصي الحالي أو أثناء فترة ما.
Anomalisa
مايكل رجل ناجح في مجال عمله لكنه يعاني من الملل في كل تفاصيل حياته، خاصًة البشر الذي يتعامل معهم يوميًا. أحاديث معادة لا معنى لها واصطناع ونسخ مكررة تمشي على الأرض، مما جعله بالفعل يرى كل الناس لهم وجه واحد ونفس الصوت. يسافر في رحلة عمل ويحاول كسر حالة الملل تلك بكل ما عنده، ويحدث ذلك عندما يعثر على فتاة مختلفة عن البقية تسمى ليزا.
صوَّر كاوفمان الواقع الإنساني بفيلم أنيميشن، بل واستغل ذلك بجعل مؤدي الأصوات ثلاثة فقط، مايكل وليزا وشخص أخر يؤدي صوت الجميع. وألقى نظرة عميقة على الحياة بشكل عام والعلاقات الإنسانية بشكل خاص، اللذان عادة ما يتسرب إليهما الفتور والملل. وعرض كل مظاهر حياتنا كأفعال مُسَلَم بها نرتكبها بلا تفكير دون التوقف عندها والاستمتاع بها، في سيناريو سوداوي وواقعي بدرجة كبيرة.
I’m Thinking of Ending Things
يذهب جيك إلى زيارة والديه في مزرعة بعيدة ومعزولة برفقة حبيبته ليعرفهم على بعضهم لأول مرة، وحبيبته ليست متأكدة تمامًا بخصوص علاقتهم واستمرارها. بعد رحلة طويلة وجو مليء بالتوتر والغرابة يسود السيارة ويسيطر على حواراتهم، يصلون أخيرًا للمزرعة، ليبدأ الفيلم كله في أخذ منعطف مريب يترك المشاهد في حيرة شديدة بسبب ما يحدث.
كتب كاوفمان سيناريو الفيلم مبنيًا على رواية تحمل نفس الاسم وأخرجه لنا. الكثير من الحوارات الطويلة التي تبدو كثرثرة فارغة لكنها تحمل معاني وراءها، والقليل من الممثلين في أماكن محدودة، وكاميرا لا تتحرك كثيرًا تصور جو منعدم الحياة. كلها عناصر ساهمت في رسم الصورة الكبيرة للفيلم وهي الإنسان الذي يكون سجين نفسه بلا حياة حقيقية، في هذا الفيلم الذي يسحب المُشاهد إلى جو من الرعب النفسي.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.